تشهد ليبيا تحولاً اقتصاديًا هامًا في أعقاب الإصلاحات الجذرية التي أدخلتها الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي. عضو مجلس إدارة المصرف السابق، مصباح العكاري، كان من بين الأصوات المتفائلة رغم الأزمات السابقة. على الرغم من أنه لم يزعم يومًا أن الصورة الاقتصادية الليبية وردية بالكامل، إلا أنه كان دائمًا ضد التصوير المتشائم الذي يجعل الحالة قاتمة بلا أمل. حديث العكاري هذا يأتي بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي، مما أثار تفاؤله بأن ليبيا تسير في طريق الاستقرار الاقتصادي التدريجي.
إحدى أهم الخطوات التي اتخذها المصرف المركزي الجديد كانت رفع سقف البطاقات إلى 8 آلاف دولار للفرد. هذه الخطوة ليست مجرد تعديل إداري بسيط، بل تعكس قدرة البنك المركزي على تغطية التزامات النقد الأجنبي، وهو ما يمثل علامة إيجابية على قوة احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي. هذه القدرة تجعل الأوضاع الاقتصادية أكثر استقرارًا وتزيل جزءًا من الضغوط التي كانت تواجه المواطنين والشركات على حد سواء في الحصول على العملات الأجنبية.
إلى جانب دعم الأفراد، جاء أيضًا رفع سقف الاعتمادات الصناعية إلى 10 ملايين دولار، مع إمكانية تجاوز هذا السقف بناءً على موافقة الرقابة على المصارف. هذا الإجراء يعتبر خطوة محورية في دعم القطاع الصناعي الذي يمثل أساسًا حيويًا لانتعاش الاقتصاد الليبي. فالقطاع الصناعي بحاجة ماسة إلى تسهيلات في الحصول على العملات الأجنبية لتتمكن الشركات من استيراد المواد الأولية والمعدات اللازمة للإنتاج، وبالتالي تعزيز الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة.
لم يقتصر الإصلاح على الصناعات الكبرى، بل شمل أيضًا التسهيلات المتعلقة باستيراد السلع والخدمات التي لا يمكن استيرادها بالاعتمادات العادية. تم إصدار بطاقة خاصة بقيمة 500 ألف دولار لهذه السلع، وهو ما يعزز مرونة الأسواق المحلية ويفتح قنوات جديدة للتجارة. بالإضافة إلى ذلك، تم رفع القيود التي كانت تعيق عمل هذه الأدوات، مما يتيح للشركات حرية أكبر في العمل ويعزز القدرة التنافسية للمنتجات الليبية على الصعيدين المحلي والدولي.
إحدى المزايا الجديدة التي قدمها المصرف المركزي كانت السماح للشركات بالحصول على كود CBL لتمكينها من الحصول على النقد الأجنبي بشكل مباشر. هذه الخطوة تهدف إلى رفع الكثير من العراقيل التي كانت تقف أمام الشركات في السابق، مما يعزز من قدرتها على التوسع والتعامل بمرونة أكبر مع الأسواق الخارجية.
من بين الإجراءات البارزة الأخرى التي اتخذها المصرف المركزي كانت إلغاء القيود المفروضة على السحب النقدي والتحويلات الداخلية. هذه الخطوات تمثل دلالة قوية على استقرار النظام المصرفي في ليبيا، وتؤكد على أن الشائعات المتعلقة بإفلاس بعض المصارف لم تكن سوى وهم. فسلامة المصارف التجارية اليوم تمثل ركيزة أساسية لاستعادة الثقة بالنظام المالي، وتطمئن المواطنين والمستثمرين بأن مستقبل الاقتصاد الليبي يتجه نحو التحسن.
مصباح العكاري يعكس في تصريحاته روح التفاؤل الجديدة التي بدأت تظهر في الأوساط الاقتصادية الليبية. وهو يشير إلى أن رفع سقف النقد الأجنبي وإلغاء القيود المالية كانا من الخطوات المحورية التي تبرهن على سلامة الاحتياطيات النقدية للبلاد. وهذا بدوره يعني أن البلاد بعيدة عن الأزمات الكبرى التي كانت متوقعة في السابق، مثل الإفلاس أو الحاجة إلى تدخل صندوق النقد الدولي.
التغيير الذي حصل في المصرف المركزي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لم يكن بسيطًا. الإجراءات التي اتخذت تهدف إلى تعزيز مرونة النظام المالي وتحرير الاقتصاد من القيود التي كانت تقيده. الغاء الأسقف على السحب، ورفع القيود المفروضة على الصكوك المصدقة، والتحويلات الداخلية، تمثل كلها تغييرات جذرية تضع الاقتصاد الليبي على مسار جديد. هذه الإجراءات تعني أن المصارف التجارية اليوم تعمل بشكل أكثر استقرارًا وفعالية، وأن الشائعات التي كانت تتحدث عن إفلاس هذه المصارف أصبحت من الماضي.
على الرغم من الخطوات الإيجابية التي اتخذها المصرف المركزي، يؤكد العكاري على ضرورة أن تقوم الجهات الأخرى في ليبيا بإجراء إصلاحات مصاحبة لهذه الإجراءات. فالإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق بشكل كامل إلا إذا تم تضافر الجهود بين جميع المؤسسات المعنية. الإصلاحات المصرفية هي خطوة أولى، لكنها تحتاج إلى دعم من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الدولي لتحقيق استقرار نسبي للحالة الاقتصادية في ليبيا.
ما يقدمه المصرف المركزي اليوم هو بداية جديدة لاقتصاد ليبيا. التحسينات في سياسات النقد الأجنبي، والتسهيلات الممنوحة للقطاعين الصناعي والتجاري، ورفع القيود المالية، كلها تمثل مؤشرات على أن ليبيا بدأت تتعافى من أزماتها الاقتصادية. المصارف أصبحت أكثر قوة واستقرارًا، والنظام المالي بات يعمل بمرونة أكبر. لكن الطريق لا يزال طويلًا، ويتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي المستدام.