في سابقة أثارت الكثير من الجدل بين المواطنين والنشطاء في ليبيا، أعلنت بلدية جنزور يوم غدٍ الأربعاء إجازة رسمية في كافة المؤسسات التعليمية والإدارية الواقعة داخل نطاقها. هذا الإعلان جاء في سياق الاحتفال بتولي محمد الباروني، آمر ميليشيا فرسان جنزور، مهام رئاسة جهاز الإسناد والدعم الأمني، وهو جهاز تم استحداثه مؤخرًا بأمر من رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة.
الخبر الذي انتشر بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي، ألقى بظلاله على العديد من التساؤلات القانونية والمجتمعية حول مدى شرعية إعلان مثل هذه الإجازة، وخاصة أنها جاءت نتيجة تعيين أمني وليس حدثًا عامًا أو وطنيًا. هنا يكمن التساؤل الأساسي: بأي حق يتم تعطيل مؤسسات الدولة للاحتفال بتنصيب شخصية ميليشياوية في منصب أمني؟
الدور السياسي للأجهزة الأمنية المستحدثة
ما يميز هذا الحدث هو تعيين شخصية عسكرية من خلفية ميليشياوية في منصب حساس يُعنى بتقديم الدعم والإسناد الأمني. محمد الباروني، الذي يقود ميليشيا فرسان جنزور، يعتبر شخصية جدلية بسبب ارتباطه بتحركات عسكرية في المنطقة الغربية، مما يجعل من تعيينه في هذا المنصب خطوة مثيرة للشكوك حول مدى استقرار هذه الأجهزة المستحدثة وإلى أي مدى ستعمل بشكل حيادي ومهني.
من ناحية أخرى، يرى بعض المراقبين أن تعيين الباروني ليس إلا جزءًا من استراتيجية الدبيبة لإحكام السيطرة على الأجهزة الأمنية في المنطقة الغربية. فبإعطائه رئاسة جهاز أمني جديد، يضمن الدبيبة دعم قوات محلية مثل فرسان جنزور في صراعاته السياسية، مما يعزز من نفوذه في هذا الجزء من البلاد.
التساؤلات القانونية والإدارية
القرار الذي اتخذته بلدية جنزور أثار تساؤلات قانونية حول مدى صلاحية السلطات المحلية لإعلان إجازات رسمية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية. من المعروف أن الإجازات في ليبيا يتم تنظيمها بقوانين محددة تستند إلى مناسبات وطنية أو دينية أو كوارث طبيعية، لكن استخدام إجازة رسمية للاحتفال بتنصيب شخصية عسكرية يُعتبر استغلالًا للسلطة واستجابة لضغوط سياسية.
علاوة على ذلك، تعطيل مؤسسات الدولة في جنزور قد يؤثر سلبًا على الخدمات العامة، وخاصة المؤسسات التعليمية التي قد تتعطل عملياتها بسبب هذا القرار. هل تستحق هذه المناسبة إيقاف عجلة العمل في بلدية بحجم جنزور؟ وهل ستكون هناك تداعيات قانونية أو إدارية على هذا القرار؟
احتفالات ودعوة عامة للحضور
تزامنًا مع الإعلان عن الإجازة الرسمية، كشفت بلدية جنزور أن الاحتفال بتنصيب الباروني سيشهد حضور شخصيات ليبية بارزة، بما في ذلك عبد الحميد الدبيبة. وأشارت البلدية إلى أنه سيتم تنظيم مأدبة غذاء بنادي اليرموك، مع توجيه دعوة عامة لجميع سكان جنزور للمشاركة.
هذا الاحتفال الذي يحمل طابعًا رسميًا وعامًا يظهر وكأنه محاولة لإظهار الباروني بصورة الزعيم المحلي الذي يحظى بدعم شعبي. إلا أن هذا المشهد يحمل في طياته العديد من التساؤلات حول الغرض الحقيقي من وراء هذا الاحتفال: هل هو تعزيز للباروني ودوره الجديد؟ أم هو استعراض لقوة الدبيبة في مواجهة خصومه؟
ردود الفعل الشعبية والسياسية
لا يخفى أن هذا الإعلان أثار انتقادات واسعة بين المواطنين، حيث يرى البعض أن تعطيل مؤسسات الدولة من أجل حدث عسكري لا يخدم المصلحة العامة، بل يزيد من تعزيز ثقافة الميليشيات على حساب مؤسسات الدولة المدنية. وفي سياق مشابه، يرى منتقدو حكومة الدبيبة أن هذه الخطوة تعد استفزازًا لمحاولات إرساء سيادة القانون وفصل السلطات، إذ يتحكم في مؤسسات الدولة بما يخدم أجندته السياسية.
على الصعيد الآخر، يرى مؤيدو الباروني والدبيبة أن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز الأمن في جنزور، وأن تولي شخصية محلية لها ثقل عسكري سيمنح الجهاز الجديد قوة وفعالية أكبر. لكن هذه الحجج لا تبدو مقنعة للعديد من المواطنين الذين يخشون من أن يؤدي تصاعد نفوذ الميليشيات إلى تفاقم حالة الفوضى والانقسامات في المنطقة.
استغلال المناسبات الخاصة لتحقيق النفوذ
اللافت في هذا الحدث هو استغلال مناسبات محلية وأمنية لجعلها مناسبات عامة يتم من خلالها تعطيل العمل في الدولة. قد يكون هذا التوجه نذيرًا لزيادة الاستقطاب السياسي والعسكري في البلاد، حيث يتم استخدام مثل هذه المناسبات لتعزيز نفوذ شخصيات معينة على حساب الاستقرار العام. فبدلاً من تعزيز مؤسسات الدولة وتقويتها، نجد أن الجهات المحلية تستغل هذه الأحداث للترويج لنفوذ أشخاص بعينهم، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والسياسي في ليبيا.
مستقبل جنزور تحت قيادة الباروني
مع تولي محمد الباروني رئاسة جهاز الإسناد والدعم الأمني في جنزور، تبقى تساؤلات كثيرة معلقة حول مستقبل هذه البلدية والمنطقة المحيطة بها. هل ستتمكن جنزور من استعادة استقرارها الأمني تحت قيادة شخصية ميليشياوية؟ أم أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام المزيد من النزاعات والاضطرابات؟
مهما كانت الإجابات على هذه الأسئلة، يبقى الوضع في جنزور مشوبًا بالغموض والتوتر، حيث يعتمد نجاح أو فشل هذه الخطوة على مدى قدرة الباروني على إدارة الجهاز بشكل مهني بعيدًا عن الأجندات السياسية والعسكرية التي تحيط به.