في ظل التعقيدات السياسية التي تعصف بـ ليبيا منذ سنوات، برزت محاولات جديدة لإعادة تحريك المسار السياسي والعسكري، وجاءت تصريحات القائم بأعمال المبعوث الأممي لدى ليبيا، استيفاني خوري، كخطوة حاسمة في هذا الاتجاه. خوري التي حضرت اجتماع اللجنة العسكرية 5+5 في سرت، شددت على أهمية سيادة ليبيا وسلامة أراضيها، مؤكدة أن اللجنة العسكرية تلعب دورًا جوهريًا في الحفاظ على الاستقرار وتهيئة البيئة المناسبة لإحياء العملية السياسية.
خلال كلمتها في اجتماع اللجنة، أكدت خوري على الأهمية القصوى لدور اللجنة العسكرية 5+5 في تعزيز الاستقرار داخل ليبيا. فعلى الرغم من استمرار الجمود السياسي وتعطيل العديد من المبادرات المحلية والدولية، إلا أن اللجنة العسكرية المشتركة تبقى العمود الفقري لأي تقدم ممكن نحو تحقيق السلام. هذه اللجنة التي تتألف من ممثلين عن الطرفين المتنازعين، تعتبر الجسر الوحيد القادر على بناء الثقة بين الأطراف وإيجاد أرضية مشتركة للعمل معًا.
خوري شددت أيضًا على الحاجة الملحة لإنهاء الانقسام السياسي الذي يعيق توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا. فبدون جيش وطني موحد، لن يكون هناك أي أمل في استعادة الأمن الكامل أو فرض سلطة الدولة في كل أنحاء البلاد. وفي هذا السياق، دعت خوري الأطراف الليبية إلى تسريع خطوات توحيد المؤسسات وتجنب أي عراقيل قد تعطل هذا المسار.
وفيما يتعلق بالجمود السياسي الذي تعاني منه ليبيا، أوضحت خوري أن هذا الجمود يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه لجنة 5+5. فاللجنة التي تعمل في ظروف معقدة تحتاج إلى دعم سياسي من الأطراف كافة لضمان تنفيذ كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار. لكن غياب الإرادة السياسية وضعف التواصل بين الأطراف يزيد من صعوبة المهمة، ويهدد بإفشال الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار.
وشهدت مدينة سرت انعقاد اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين، والذي حضرته استيفاني خوري إلى جانب أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة وسفراء عدة دول مشاركة في المجموعة. هذا الاجتماع، الذي ترأسه بعثة الأمم المتحدة للدعم بالشراكة مع فرنسا، عُقد للمرة الأولى في سرت، ويهدف إلى تعزيز الجهود الدولية والمحلية لدعم العملية السياسية والعسكرية في ليبيا.
من جانبه، دعت خوري السلطات الليبية إلى التغلب على العقبات التي تعيق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل. فالعديد من الملفات العالقة، بما في ذلك خروج المرتزقة وتوحيد الجيش، لا تزال تنتظر حلًا سياسيًا جامعًا. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، يبقى الأمل في تحقيق تقدم ملموس إذا ما تضافرت الجهود المحلية والدولية.
ما تعانيه ليبيا اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات سياسية وأمنية زادت من تعقيد المشهد الداخلي. الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة، وبالتعاون مع شركاء دوليين كفرنسا، تسعى جاهدة لدفع عجلة الحل السياسي إلى الأمام. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه الجهود من تجاوز العقبات المستمرة؟
الحقيقة أن مفتاح الحل يكمن في يد الأطراف الليبية ذاتها. فالاستمرار في الجمود السياسي سيؤدي إلى مزيد من التدهور الأمني والاقتصادي. ومن دون خطوات جريئة نحو توحيد المؤسسات وبناء جسور الثقة بين الأطراف، لن تتمكن ليبيا من الخروج من دوامة الصراع.
في هذا السياق، يأتي دور اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 كعنصر حاسم في إعادة بناء الثقة بين الأطراف. ومع ذلك، تحتاج اللجنة إلى دعم سياسي فعلي من القيادات الليبية لتتمكن من تحقيق أهدافها وتنفيذ كافة بنود الاتفاقات التي تم التوصل إليها.
ختامًا، يبقى الأمل في أن تؤدي الجهود المبذولة، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، إلى تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا. فالانتخابات هي الخطوة الحاسمة نحو بناء دولة مؤسسات قادرة على استعادة سيادتها وتحقيق الاستقرار لشعبها. وفي هذا الإطار، تبقى كل الأنظار موجهة نحو الأطراف الليبية، التي عليها اتخاذ قرارات جريئة تنقذ البلاد من براثن الفوضى وتعيدها إلى طريق الاستقرار.