بعد سلسلة من التحديات السياسية التي فرضت نفسها على الساحة المغاربية، تأخذ العلاقات بين الجزائر، تونس، وليبيا مساراً متجدداً لاستعادة زخم التعاون عبر عقد قمتين مرتقبتين. تأجيل القمة الثلاثية التي كانت مقررة في يوليو الماضي، رغم الشكوك التي دارت حول جديتها، يبدو اليوم مرتبطاً بمعطيات سياسية وإقليمية تجاوزت تخطيط القادة الثلاثة.
منذ يوليو الماضي، وتحديداً بعد اللقاء الذي جمع رؤساء الجزائر، تونس، وليبيا في إبريل بتونس، كان من المتوقع أن تتبع هذه القمة سلسلة من اللقاءات الرسمية والمشاورات الرفيعة لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الثلاث. إلا أن الانتخابات الرئاسية التي جرت في الجزائر وتونس، وضبابية المشهد الأمني في ليبيا، وضعت العوائق أمام تحقيق هذا الطموح المغاربي المشترك.
رغم هذه العقبات، شهدت الساحة الدبلوماسية المغاربية خلال الفترة الماضية تحركات هامة لإعادة بناء الثقة بين الدول الثلاث. الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي استضاف رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في الجزائر، أعلن بشكل واضح عن قرب عقد قمة ثلاثية جديدة في طرابلس. هذا التأكيد الرسمي جاء لينفي الشكوك التي أثيرت حول مدى قدرة العواصم المغاربية على مواصلة التنسيق والتشاور.
القمة المرتقبة بين الجزائر وتونس وليبيا تأتي في سياق حساس تعيشه المنطقة المغاربية، حيث تسعى العواصم الثلاث إلى تعزيز التعاون في مجالات حيوية، مثل الأمن والاقتصاد والهجرة. وفي هذا الإطار، فإن استئناف “مسار قرطاج”، الذي بدأ منذ إبريل، يشكل خطوة أساسية نحو تعزيز هذا التعاون.
الرئيس الجزائري، خلال مؤتمره الصحافي الأخير مع المنفي، أكد على أهمية التشاور الثلاثي، مشدداً على أن الحل في ليبيا لا يمكن أن يأتي إلا من خلال الشعب الليبي نفسه، في إشارة إلى أهمية الانتخابات. من جانبه، شدد المنفي على أن اللقاءات الثلاثية ليست مجرد لقاءات بروتوكولية، بل هي جزء من استراتيجية شاملة لدعم الاستقرار والتنمية في ليبيا.
لكن يبقى التساؤل قائماً حول مدى جاهزية طرابلس لاستضافة القمة الثلاثية في ظل التحديات الأمنية التي شهدتها العاصمة الليبية خلال الصيف الماضي. الاشتباكات المسلحة التي اندلعت بين التشكيلات العسكرية المختلفة جعلت من الصعب على القادة المغاربيين عقد اجتماع في مثل هذه الظروف. إلا أن تمسك المجلس الرئاسي الليبي بعقد القمة في طرابلس يحمل دلالات سياسية مهمة، حيث يعتبر المنفي أن استضافة هذه القمة في العاصمة الليبية ستكون رسالة قوية على استعادة استقرار البلاد ووحدتها.
ولم تكن قمة القادة الثلاثة هي اللقاء الوحيد الذي جرى بين الجزائر، تونس، وليبيا في إطار “مسار قرطاج”. فقد شهدت الشهور الماضية سلسلة من اللقاءات الوزارية التي شملت وزراء الداخلية والتجارة، بالإضافة إلى اجتماعات قطاعية بين رجال الأعمال من الدول الثلاث. هذه الاجتماعات هدفت إلى تعزيز التعاون في مجالات عدة، منها قضايا الهجرة، والتبادل التجاري، وتنمية المناطق الحدودية، وإنشاء مناطق للتبادل الحر.
رغم التأجيلات، فإن القمة المرتقبة تحمل في طياتها الكثير من الآمال لشعوب المنطقة المغاربية. التعاون بين الجزائر، تونس، وليبيا ليس مجرد خطوة نحو تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بل هو أيضاً رسالة للعالم بأن هذه الدول قادرة على تجاوز التحديات وبناء مستقبل مشترك يستند إلى أسس التعاون السياسي والاقتصادي.
في نهاية المطاف، يمثل الاجتماع الثلاثي القادم في طرابلس خطوة جديدة نحو تحقيق أهداف “مسار قرطاج”، وهو مسار يهدف إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات، من الاقتصاد إلى الأمن والسياسة. ومع استمرار دعم الجزائر وتونس لليبيا، فإن هذه القمة قد تشكل نقطة تحول في مسار العلاقات المغاربية، وتفتح الباب أمام مزيد من التنسيق والتكامل في المستقبل.