ليبيا الان

أسباب تضخم الجهاز الإداري في ليبيا.. حلول غائبة ومعقدة

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

تضخم الجهاز الإداري في ليبيا: قضية قديمة وحلول غائبة

تحت الأضواء المتجددة كل يوم، تتصدر الأزمات الاقتصادية في ليبيا حديث السياسيين والخبراء على حد سواء. إلا أن قضية تضخم الجهاز الإداري تبقى واحدة من تلك الأزمات التي تُناقش منذ عقود، دون تقديم حلول فعلية أو حتى الاعتراف الكامل بأسبابها الجذرية. تحدث عضو مجلس إدارة  مصرف ليبيا المركزي سابقًا، امراجع غيث، عن هذا التضخم، مؤكداً أن النقد بشأنه صحيح في ظاهره، لكنه يبقى بعيداً عن معالجة أسبابه الحقيقية.

التضخم الإداري الذي يعاني منه النظام الحكومي في ليبيا ليس وليد اللحظة. بل هو امتداد لفترة طويلة من السياسات الاقتصادية الخاطئة، والتي بدأت بشكل واضح منذ ما أشار إليه غيث بـ”كارثة سنة 1978″. تلك الكارثة، والتي تتمثل في انهيار القطاع الخاص وتضييق الخناق على الأفراد في الحصول على تمويل لنشاطاتهم الخاصة، شكلت بداية التدهور الإداري الذي نشهده اليوم. في ظل غياب القطاعات الاقتصادية القادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل، تحوّلت الحكومة إلى المُشغل الأساسي.

القطاع الخاص: عائق الربح السريع وغياب المبادرات

من وجهة نظر غيث، في منشور له عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ورصدته “أخبار ليبيا 24“ فإن الحل لتقليص أعداد الموظفين في القطاع العام يكمن في إعادة إحياء القطاع الخاص، الذي كان، قبل 1978، قادراً على امتصاص فائض القوى العاملة وتقديم فرص حقيقية للتوظيف. لكن المشكلة الحالية تكمن في أن القطاع الخاص في ليبيا اليوم، وفقاً لتحليله، لا يبحث عن العمالة، بل عن الربح السريع. هذا القطاع لم يعد مشجعاً للأفراد للانخراط فيه، بل بات يغلق أبوابه أمام الكثير من الشباب الذين يفتقدون إلى الدعم المالي أو الحوافز.

من المؤسف أن النظام المصرفي الليبي أيضاً يلعب دوراً سلبياً في هذا الإطار، مع تعقيد الإجراءات وتضييق فرص التمويل. القطاع الخاص، كما يشير غيث، بحاجة إلى تمويل ميسّر وبيئة اقتصادية مستقرة حتى يتمكن من النهوض مجدداً. هذا النهوض ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل حل لأزمة التوظيف التي أصبحت عبئاً على الدولة.

حوافز ترك الوظيفة العامة: خطوة جريئة لإنعاش الشباب

إحدى الأفكار التي طرحها غيث والتي تستحق الوقوف عندها هي فكرة تقديم حوافز للموظفين لترك الوظيفة العامة والتوجه نحو الأعمال الحرة. لكن هذا الأمر يتطلب، وفقاً لتحليله، أن تتبعه سلسلة من الخطوات الأخرى مثل تقديم برامج تدريبية مجانية لآلاف الشباب. الشباب الذين يشكلون قوة العمل الأساسية يحتاجون إلى تأهيل حتى يتمكنوا من النجاح خارج إطار الوظيفة الحكومية.

إن تركيز المسؤولين الحاليين على الصراع حول مناصب سياسية أو سفارات خارجية، بدلاً من التركيز على قضايا حيوية كالتوظيف والاقتصاد، يعكس عمق الأزمة الإدارية في البلاد. هناك حاجة ملحّة لمسؤولين يدركون الأهمية الاستراتيجية لخلق فرص عمل حقيقية وجذب الشباب نحو قطاعات إنتاجية بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على وظائف حكومية لا تلبي طموحاتهم.

المصرف المركزي: توحيد القاعدة الاقتصادية خطوة لاستعادة الثقة

لا يمكن الحديث عن الأزمات الاقتصادية في ليبيا دون التطرق إلى دور المصرف المركزي، الذي بات في مركز الجدال السياسي والاقتصادي على حد سواء. غيث طرح فكرة توحيد المصرف المركزي كخطوة ضرورية لاستعادة الثقة في النظام المالي الليبي. بالنسبة له، فإن هذا التوحيد لا يتطلب تعقيدات أو تكاليف كبيرة، بل يمكن تحقيقه من خلال بعض الخطوات البسيطة.

أولى تلك الخطوات تتعلق بالسماح للمصارف باستخدام أرصدتها أينما كانت، دون تعقيدات إدارية تُعيق تدفق الأموال. النقطة الثانية التي تطرق إليها هي إصدار تعليمات واضحة بقبول العملات المحلية، سواء كانت ورقية أو معدنية، على كامل التراب الليبي. هذه الخطوات، كما يشير غيث، قد تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها رسالة واضحة: أن المصرف المركزي يسعى لتوحيد النظام المالي، بغض النظر عن الانقسامات السياسية.

إن استعادة الثقة في المصرف المركزي لن تتم إلا إذا شعر المواطن العادي بأن أمواله بأمان، وأنه قادر على التعامل بحرية مع مصارفه دون القيود التي تعيق حركته. هذه الثقة هي المفتاح لإنعاش الاقتصاد الليبي وتحقيق الاستقرار المطلوب. المصرف المركزي قد لا يحتاج إلى خطط ضخمة أو سياسات معقدة، بل إلى خطوات عملية تُظهر للمواطنين أن وحدته ليست مجرد شعار سياسي، بل حقيقة يمكن لمسها في حياتهم اليومية.

بين الحلول والتحديات: ما هو المستقبل؟

ما بين تضخم الجهاز الإداري وغياب القطاع الخاص الفعّال، وما بين انقسامات المصرف المركزي والمشاكل الاقتصادية العميقة، تقف ليبيا عند مفترق طرق. الأزمات الحالية، رغم تعقيداتها، تملك حلولاً ليست بعيدة المنال إذا ما توفرت الإرادة السياسية والاقتصادية الحقيقية. الحلول، كما يراها غيث، ليست بالضرورة مكلفة أو معقدة، بل يمكن تحقيقها من خلال قرارات جريئة واستراتيجية طويلة المدى.

في نهاية المطاف، يبدو أن ما تحتاجه ليبيا اليوم هو مسؤولون يشعرون بعمق المشكلة ولا يكتفون بانتقاد الوضع القائم. هناك حاجة إلى رؤية متكاملة تعالج الأزمات الاقتصادية من جذورها، وتُعيد الثقة للمواطنين في النظام المالي والسياسي على حد سواء.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24