تواجه ليبيا تحديًا بيئيًا خطيرًا بعد اجتياح الجراد الأفريقي لعدد من المناطق الزراعية في الجنوب، مما أثار قلقًا واسعًا لدى المزارعين والجهات الرسمية على حد سواء. ففي ظل وجود بيئة ملائمة بفعل الأمطار الأخيرة، تفاقمت حدة انتشار الجراد الصحراوي ليضرب بقوة مساحات واسعة في الجنوب الليبي، مخلفًا أضرارًا بالغة في المحاصيل والموارد الزراعية، مما ينبئ بخسائر اقتصادية قد تترك آثارها على الأمن الغذائي في البلاد.
تشير التقارير إلى أن الجراد الأفريقي، الذي بدأ انتشاره في أوائل أكتوبر، أضر بمدن وبلدات رئيسية في الجنوب مثل سبها وبراك الشاطئ ووادي البوانيس وبني وليد، مع تسجيل إصابات كبيرة في مناطق تراغن وتازربو. ويعزو المهندس حسين البريكي، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي، هذا الانتشار الواسع إلى الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، والتي خلقت ظروفًا مثالية لتكاثر هذه الحشرة المدمرة.
وأوضح البريكي في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن الجراد يتكاثر بسرعة في البيئات الرطبة ويستغل المحاصيل القائمة كغذاء له، مما يفاقم الخسائر الزراعية التي تحملها المزارعون بمرارة في سبيل البقاء. ومع اجتياح الجراد لهذه المناطق، يواجه المزارعون تحديات غير مسبوقة، إذ تتآكل محاصيلهم بسرعة، بينما تحاول السلطات المحلية واللجنة الوطنية جاهدة التصدي لهذا التهديد العاجل.
سارعت اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد إلى الاستجابة للأزمة عبر إرسال فرق ميدانية مزودة بمعدات رش حديثة وسيارات صحراوية مخصصة للمناطق الوعرة، إضافة إلى كميات كبيرة من المبيدات الحشرية. ومع ذلك، واجهت هذه الفرق تحديات عديدة، أبرزها كثافة أشجار النخيل في بعض المناطق ووجود أنظمة الري المحوري، التي تجعل الوصول إلى كل المواقع المتضررة أمرًا صعبًا. وأشار المهندس البريكي إلى أن عمليات المكافحة رغم فاعليتها لا تزال تواجه معوقات لوجستية تعرقل الجهود المبذولة.
وأكد البريكي أن الفرق الميدانية تعمل بلا هوادة، إلا أن المعركة مع الجراد تتطلب توفير إمكانيات أكبر ومعدات أكثر كفاءة للوصول إلى جميع المناطق المتضررة. ويأمل البريكي في أن تتكاتف الجهود بين المزارعين واللجنة الوطنية لضمان السيطرة على هذا التفشي قبل أن يتسبب في أضرار كارثية.
في ضوء حجم التهديد، تعمل السلطات الليبية على توفير كافة الاحتياجات الضرورية لفرق العمل الميداني المنتشرة في المناطق المتضررة، وسط تحذيرات من احتمال تفاقم الأوضاع إذا لم يتم اتخاذ خطوات حازمة وسريعة. وتأتي هذه الجهود ضمن خطة وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز قدرات مكافحة الجراد الأفريقي والتخفيف من تأثيره على القطاع الزراعي. وقد خصصت الحكومة موارد مالية ولوجستية لدعم عمليات المكافحة، وذلك بالتعاون مع المؤسسات البيئية المحلية والدولية.
كما تم الإعلان عن خطط لتوعية المزارعين بأهمية المشاركة في عمليات المكافحة عبر رصد مناطق الانتشار والإبلاغ الفوري عن أي تفشي للجراد في مناطقهم، وذلك في محاولة لاحتواء الأزمة وتقليل الأضرار.
تشكل موجة الجراد الحالية تهديدًا كبيرًا للقطاع الزراعي في ليبيا، وهو قطاع يعاني أصلاً من مشكلات عديدة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد. فالمزارعون الذين يعتمدون على زراعة النخيل والحبوب كمصدر أساسي للدخل، يواجهون اليوم تهديدًا مزدوجًا، حيث لا يقتصر الخطر على فقدان المحصول، بل يشمل أيضًا الأضرار الاقتصادية التي قد تتسبب في زيادة أسعار المواد الغذائية وتراجع الاكتفاء الذاتي الغذائي.
وقد حذرت جهات اقتصادية من أن استمرار انتشار الجراد قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المحاصيل المتضررة بشكل ملحوظ، مما سيزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية على مستوى العالم.
أمام هذا الوضع الحرج، تبرز الحاجة إلى تبني استراتيجيات طويلة الأمد للتصدي لموجات الجراد المتكررة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تسهم في تفاقم هذه الظاهرة. ويأمل الخبراء أن يتم وضع خطط طوارئ مدمجة تراعي البعد البيئي وتعزز من قدرة المجتمعات المحلية على مواجهة تحديات الجراد مستقبلاً، بما يشمل تطوير تقنيات الرش البيئي وتدريب فرق الاستجابة السريعة.
إن مكافحة الجراد الصحراوي ليست مجرد مواجهة طارئة، بل هي معركة مستمرة تتطلب استعدادًا دائمًا وخططًا استباقية، ومن شأن هذه الجهود المتكاملة أن توفر أملًا للمزارعين في الجنوب الليبي لمواجهة هذه الآفة المدمرة وضمان استدامة مواردهم الزراعية وأمنهم الغذائي.