في ظل المشهد السياسي الذي طالته سنوات من الجمود، شكلت الانتخابات البلدية حدثًا بارزًا يحمل في طياته بوادر الأمل في تحريك الركود السياسي الذي أرهق البلاد لعقود. التصريحات الأخيرة للمتحدث السابق باسم مجلس الدولة، السنوسي إسماعيل، لم تكن مجرد تعليق على حدث عابر، بل إشارة واضحة إلى أن هذه الانتخابات قد تكون البداية لمسار سياسي جديد.
تأتي الانتخابات البلدية كمحطة أساسية نحو استحقاقين كبيرين طال انتظارهما: الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. يرى السنوسي أن هذه الخطوة بمثابة “الإحماء” السياسي، حيث تسهم في تأهيل المشهد العام لإجراء انتخابات ذات طابع وطني أشمل.
رغم التحديات اللوجستية، ونسب المشاركة التي وصفها البعض بـ”المتواضعة”، أثبتت العملية الانتخابية قدرتها على فتح ثغرة في جدار الجمود السياسي. وقد بدا واضحًا أن الشعب، رغم إحباطاته المتكررة، لا يزال متمسكًا بحقوقه الديمقراطية، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة من الحماس.
لا يمكن إنكار أن نسب الإقبال على الانتخابات البلدية لم ترتق إلى مستوى الطموحات الوطنية، إلا أن هذا النجاح النسبي أتى في وقت حرج، ليعكس رغبة شعبية – ولو خافتة – في إعادة تشكيل المشهد السياسي. لقد كانت الرسالة واضحة: الليبيون مستعدون للمشاركة متى توفرت البيئة المناسبة، وهو ما أشار إليه السنوسي بوضوح.
في سياق حديثه، استدعى السنوسي تجربة حل أزمة مصرف ليبيا المركزي كنموذج يمكن الاستفادة منه في توحيد مؤسسات الدولة. فكما تم التوافق على مخرج للأزمة المالية التي كادت أن تعصف بالاقتصاد الوطني، يمكن للمسار السياسي أن يسير على نفس المنوال.
توحيد المؤسسات، كما يرى السنوسي، هو شرط أساسي لنجاح أي عملية سياسية مستدامة. وهذا لا يعني مجرد توحيد شكلي، بل تحقيق توافق عملي بين الأطراف المتصارعة، تمهيدًا للوصول إلى حكومة موحدة تشرف على البلاد.
أحد أبرز المحاور التي تناولها السنوسي هو أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. هذه الحكومة، حسب تصوره، يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في خلق بيئة آمنة ومستقرة تضمن نجاح الاستحقاقات المقبلة.
رغم التعقيدات التي تحيط بالمشهد الليبي، يرى السنوسي أن الانتخابات البلدية تمثل بصيص أمل يمكن البناء عليه. فنجاحها – وإن كان محدودًا – يفتح الباب أمام مرحلة جديدة يمكن أن تقود البلاد نحو استقرار سياسي واقتصادي.
يظل الأمل معقودًا على إرادة الأطراف الليبية في تجاوز الخلافات وتقديم تنازلات حقيقية تعزز من فرص التوافق الوطني. فكما أن الليبيين أثبتوا قدرتهم على الصمود في وجه الأزمات، فإنهم قادرون أيضًا على إعادة بناء دولتهم، خطوة بخطوة.