تفتح وفاة الطالب علي رافع السنوسي الصداعي، أحد طلاب الكلية الجوية بمصراتة، جرحًا جديدًا في جسد العدالة الليبية، وتضع المجتمع أمام مرآة قاسية لانتهاكات صارخة تمس حقوق الإنسان. الحادثة التي وثقتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تكشف عن استباحة فاضحة للكرامة الإنسانية، وتجدد التساؤلات حول غياب المحاسبة وتراخي سيادة القانون.
في يوم الجمعة، 15 نوفمبر 2024، لفظ علي أنفاسه الأخيرة تحت وطأة التعذيب الذي أزهق روحه في كلية الدفاع الجوي بمصراتة. ما تعرض له الطالب الشاب ليس مجرد حادث عابر، بل هو جريمة تعذيب وقتل عمد تخالف كل القوانين العسكرية والمدنية. ووفقًا لما ورد في بيان المؤسسة الوطنية، فإن هذه الجريمة ليست فقط اعتداءً على فرد، بل هي اعتداء على سيادة القانون، وضرب لمبادئ العدالة التي تسعى ليبيا لترسيخها.
تنص القوانين الليبية، مثل القانون رقم 10 لسنة 2013 بشأن تجريم التعذيب، بوضوح على منع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه. ومع ذلك، ما زالت الممارسات البشعة التي تهدر إنسانية الأفراد تظهر في المؤسسات التي يُفترض أن تكون حامية للكرامة والعدالة. الحادثة تعكس تهاونًا في تطبيق النصوص القانونية، وتكشف غياب الرقابة على الممارسات داخل المؤسسات العسكرية.
بالإضافة إلى القوانين الوطنية، فإن ليبيا طرف في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب منذ عام 1989. هذه الاتفاقية تُلزم الدول باتخاذ إجراءات صارمة لمنع التعذيب ومحاسبة مرتكبيه. ولكن رغم هذه الالتزامات، تظل الجرائم التي تُرتكب تحت غطاء السلطة دون عقاب، مما يضع ليبيا أمام مسؤولية دولية وأخلاقية.
في بيانها، دعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مكتب المدعي العام العسكري إلى فتح تحقيق شامل وشفاف. الهدف ليس فقط معرفة ملابسات الجريمة، بل أيضًا ضمان ملاحقة المتورطين وإنزال العقوبات اللازمة بهم. مثل هذه الدعوات تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة، لكنها تظل غير كافية في ظل منظومة تعاني من ضعف مؤسساتي وإفلات دائم من العقاب.
الحادثة تُبرز مأساة مزدوجة: غياب العدالة للضحية، وفقدان الثقة في المؤسسات المسؤولة عن حماية حقوق الإنسان. إذا لم تُحاسب الجهات المتورطة، فإن هذه الانتهاكات قد تُصبح نمطًا متكررًا، مما يهدد بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب.
إن عدم محاسبة مرتكبي مثل هذه الجرائم لا يقتصر أثره على الضحايا وأسرهم، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره. الإفلات من العقاب يُضعف الثقة في الدولة ويُعزز الشعور بعدم الأمان، مما يجعل من الصعب بناء مستقبل قائم على العدالة والمساواة.
من أجل كسر هذه الحلقة المفرغة، يجب أن تتحرك الدولة بخطوات جادة وملموسة:
رحيل الشاب علي السنوسي الصداعي تحت التعذيب يجب ألا يُنسى أو يُعتبر مجرد رقم في قائمة الانتهاكات. القضية تحتاج إلى أن تكون نقطة تحول في مسار العدالة الليبية، ودعوة صادقة لإعادة بناء نظام يحترم حقوق الإنسان، ويُجرّم كل من ينتهكها.