مصراتة – في ختام ملتقى شباب ليبيا الجامع، كان رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة حديث الشارع بعد تصريحاته المثيرة للجدل. وبنبرة لم تخلُ من السخرية والانتقاد، وصف وزير داخليته المكلف، عماد الطرابلسي، بأنه “سرح شوية في الهدرزة” بخصوص الآداب العامة، محدثًا زوبعة لا أساس لها، وفق تعبيره.
لكن ما أثار الدهشة لم يكن الانتقاد بحد ذاته، بل التناقض الصارخ بين مهاجمته العلنية للميليشيات وتفاخره الضمني بتأهيل قادتها ومنحهم المناصب. فكيف يمكن لرئيس حكومة أن يهاجم الماضي الميليشياوي لوزير داخليته بينما هو نفسه من وضعه في هذا المنصب؟
عماد الطرابلسي، الذي لا يخفى على أحد ماضيه كزعيم ميليشيا نافذة، تحول اليوم إلى رأس وزارة الداخلية. وبرر الدبيبة ذلك قائلًا: “أعطينا الرتب لأبنائنا من قادة الميليشيات لكي يتم تأطيرهم، بعد أن وجدنا أن هدفهم الدفاع عن البلاد ومكافحة الجريمة”.
لكن أليس هذا اعترافًا ضمنيًا من الدبيبة بأن حكومته قائمة على الميليشيات؟ هل يعني ذلك أن الميليشيات لم تعد مصدر تهديد بل أصبحت “ركيزة للأمن الوطني”؟
التصريحات الساخرة التي أطلقها الدبيبة بحق الطرابلسي لم تكن سابقة. فقد سبق وأن وصف وزير التعليم العالي عمران القيب بـ”الكركوبة”، مما يكشف أسلوبًا مستمرًا في التقليل من وزرائه أمام الرأي العام. لكن هذه المرة، يبدو أن وراء الكواليس دافعًا سياسيًا أعمق: غزل للغرب وتنصل من خطاب الطرابلسي المحافظ.
فالطرابلسي، في حديثه عن الآداب العامة، أثار غضب أطياف المجتمع المدني داخل طرابلس، حيث فهمت تصريحاته على أنها إشارة لإعادة تفعيل شرطة الآداب أو حتى تبني نهج “شرطة دينية”. وهو ما دفع الدبيبة سريعًا للتنصل من هذه التصريحات، مؤكدًا: “لن نُفعِّل شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… مجتمعنا محافظ بطبيعته”.
تكشف هذه التصريحات المتناقضة عن نهج متكرر في إدارة الدبيبة، حيث تُدار الأزمات بمزيج من المزاح والتهرب من المسؤولية. وبينما يحاول الدبيبة إرضاء الغرب برسائل عن “مجتمع مدني”، لا يتردد في تأطير الميليشيات وتمكينها تحت مسمى “الدفاع عن الوطن”.
ولكن، هل يستطيع الدبيبة الاستمرار في هذا التوازن الهش؟ مع تصاعد الانتقادات الداخلية، يبدو أن تهربه من تصريح الطرابلسي ليس إلا خطوة جديدة في سلسلة تناقضات تهدد مكانة حكومته.
إن تصريحات الدبيبة الأخيرة، سواء بتهكمه على الطرابلسي أو تبريره لتأطير الميليشيات، تعكس مأزقًا سياسيًا وأخلاقيًا مزدوجًا. فبينما يحاول رسم صورة لحكومة مدنية حديثة، تستمر قراراته في إعادة إنتاج نفس النهج القائم على الميليشيات والمحاصصة.
يبقى السؤال: هل تصريحات الدبيبة مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي، أم أنها تعكس حقيقة حكومة تتقن فن “الرقص على الحبال” دون خطة واضحة للمستقبل؟