مدينة سبها، عاصمة الجنوب الليبي، شهدت حدثًا استثنائيًا بزيارة القائم بأعمال المبعوث الأممي، ستيفاني خوري، التي تسعى البعثة من خلالها لتجديد الدفع نحو توحيد المؤسسات الليبية، وحلحلة التحديات التي أثقلت كاهل الدولة منذ 2011. تأتي الزيارة بعد أيام من زيارة وفد أمريكي بقيادة السفير ريتشارد نورلاند، مما يعكس اهتمامًا دوليًا متزايدًا بالجنوب الليبي كجزء لا يتجزأ من معادلة الاستقرار الوطني.
تعكس زيارة خوري إلى سبها اعترافًا دوليًا بأهمية الجنوب الليبي، الذي يعاني من إهمال تاريخي يفاقم مشاكله التنموية. فمنذ سنوات، ظل الجنوب مسرحًا لصراعات القبائل ونشاطات التهريب، مما جعله مصدر قلق أمني واقتصادي. لكن خوري أكدت أن معالجة قضايا الجنوب تبدأ بتحقيق تنمية عادلة تشمل كافة المناطق الليبية، خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار المستدام.
تصريحات خوري ركزت على توحيد المؤسسات الليبية كأولوية محورية، مشيرةً إلى أن أزمة المصرف المركزي كانت البداية. في حين أن التوصل إلى ميزانية موحدة لا يزال بعيد المنال، إلا أن العمل على تحقيقه يُعتبر خطوة حاسمة لدعم المؤسسات الليبية المتعثرة. هنا، تظهر البعثة الأممية كوسيط يسعى إلى تقليص الفجوات بين الأطراف الليبية، مع تركيز على الجوانب التقنية والاقتصادية كمدخل سياسي.
أثارت خوري قضية هيكلة الدولة الليبية وهويتها الوطنية، وهي ملفات لا تزال عالقة منذ سقوط نظام القذافي. ورغم مرور أكثر من عقد على الثورة، إلا أن التوافق على دستور جامع ظل معطلًا، مما يعرقل بناء دولة حديثة قادرة على استيعاب تطلعات شعبها. تناول خوري لهذه القضية يعكس إقرار البعثة الأممية بأهمية العمل على المدى الطويل، إلى جانب الحلول العاجلة.
البعثة الأممية، وفق تصريحات خوري، ليست صاحبة القرار بل داعمة للعملية السياسية الليبية. هذا الموقف يشير إلى احترام السيادة الليبية، لكنه يضع الليبيين أمام مسؤولية جسيمة لتحقيق توافق داخلي حول الانتخابات وبناء المؤسسات. فالأمم المتحدة يمكنها تقديم الدعم الفني والتقني، لكن نجاح العملية يتطلب إرادة سياسية من الليبيين أنفسهم.
على الرغم من الدعوات الأممية المتكررة لإجراء الانتخابات، إلا أن المشهد السياسي الليبي لا يزال غامضًا. فتباين المصالح بين القوى الفاعلة وصعوبة التوصل إلى حكومة موحدة يجعل الطريق إلى الانتخابات محفوفًا بالعقبات. خوري أكدت أن تحديد موعد الانتخابات يرتبط بحل القضايا الأساسية مثل تقاسم الموارد وتوحيد المؤسسات.
إيلاء خوري اهتمامًا خاصًا بالجنوب الليبي يعكس رؤية جديدة للأمم المتحدة تجاه المناطق المهمشة. الجنوب ليس فقط مصدرًا للثروات الطبيعية ولكنه أيضًا يمثل ركيزة لأي حل مستدام في ليبيا. دعم التنمية في سبها ومحيطها قد يكون نقطة انطلاق لتعزيز ثقة الليبيين في العملية السياسية.
زيارة ستيفاني خوري إلى سبها ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل إشارة إلى تحول في مقاربة الأمم المتحدة تجاه الأزمة الليبية. لكن مع تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي، يبقى السؤال: هل يمكن أن تُترجم هذه الجهود إلى استقرار حقيقي أم أنها ستظل مجرد محاولات في مسار طويل ومعقد؟ الإجابة تعتمد على إرادة الليبيين في تجاوز خلافاتهم ووضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.