في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الليبيون، كشف تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023 عن وزارة الداخلية في حكومة الدبيبةمنتهية الولاية عن أوجه جديدة من الفساد والهدر الممنهج للمال العام. التقرير يفضح مظاهر إنفاق مبالغ ضخمة على توريدات وخدمات لم تكن ضرورية، في وقت تكافح فيه الدولة لإيجاد حلول لأزمة مالية خانقة.
إعاشة وإقامة: أرقام خيالية بلا نتائج واضحة
أشار التقرير إلى إنفاق 342.2 مليون دينار على الإعاشة والإقامة، إضافة إلى 146.5 مليون دينار على توريدات التموين الجاف. أرقام كهذه تثير تساؤلات حادة حول الحاجة الفعلية لمثل هذه المصروفات الضخمة، خصوصًا أن الوزارة لم تقدم تبريرًا منطقيًا أو شفافية توضح كيفية إنفاق هذه المبالغ.
في بلد يعاني فيه المواطن من نقص في الخدمات الأساسية، يبرز مثل هذا الهدر كوصمة عار على جبين الحكومة، التي يفترض أن تكون مسؤولة عن حسن إدارة موارد الدولة، لا إنفاقها بشكل عشوائي.
الملابس والقرطاسية: أولويات غريبة في زمن الأزمة
بلغ الإنفاق على الملابس والقيافة 126.3 مليون دينار، بينما خصصت الوزارة 33.9 مليون دينار للقرطاسية. هذه المصروفات تكشف عن افتقار الوزارة لأولويات واضحة تخدم مصلحة البلاد والمواطنين، حيث يتم تخصيص أموال ضخمة لبنود يمكن تقليصها أو الاستغناء عنها في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
التكليف المباشر: بوابة للمغالاة والفساد
من أخطر الممارسات التي كشفها التقرير هو تعمد الوزارة اللجوء إلى التكليف المباشر في توفير احتياجاتها. هذه الخطوة، التي تخالف مبدأ النزاهة والشفافية، أدت إلى غياب المنافسة العادلة بين الموردين، مما تسبب في تضخم الأسعار والمغالاة في التكاليف. بدلاً من تحقيق الكفاءة الاقتصادية، باتت الوزارة تقدم نموذجًا لتبديد الموارد.
توريدات بلا حاجة: عبء إضافي على الدولة
أوضح التقرير أن معظم التوريدات التي أبرمتها الوزارة لم تكن هناك حاجة فعلية لها، ما ساهم في ارتفاع المصروفات مقارنة بالسنوات السابقة. في حين تحتاج الدولة إلى ضبط الإنفاق وترشيده، تظهر وزارة الداخلية كأحد أبرز الأمثلة على التبذير والإهمال المالي.
تجزئة العقود: تهرب من الرقابة ومخالفة القانون
كشف التقرير أيضًا عن قيام الوزارة بتجزئة العقود لإنقاص قيمتها، وذلك بهدف التهرب من المراجعة المسبقة لديوان المحاسبة. هذه الممارسات لا تعكس فقط استهتارًا بالقانون، بل تسلط الضوء على مدى انتشار الفساد في آليات إدارة المال العام داخل الوزارة.
تحميل المصروفات على بنود غير مختصة
في خطوة تزيد من غموض الوضع المالي للوزارة، تم تحميل بعض المصروفات على بنود غير مختصة، مما أدى إلى إظهارها على غير طبيعتها. هذه المخالفات المالية تبرز عجز الوزارة عن الالتزام بالمعايير المحاسبية، وتؤكد غياب الرقابة الداخلية.
شراء المركبات: إفراط وأسعار مبالغ فيها
من أبرز نقاط التقرير هو الإفراط في شراء المركبات الآلية بأسعار مرتفعة ودون الحصول على الموافقات اللازمة. هذه الخطوة ليست فقط إهدارًا للمال العام، بل تكشف عن ضعف التخطيط الإداري والتنظيم المالي.
الوضع الكارثي: المواطن يدفع الثمن
بينما تنفق وزارة الداخلية مئات الملايين بلا خطة واضحة أو رقابة فعالة، يعيش المواطن الليبي تحت وطأة الأزمات الاقتصادية. ارتفاع الأسعار، نقص الخدمات، والبطالة المتفشية تجعل من أرقام التقرير مرآة لواقع مؤلم، حيث تبدو ثروات البلاد وكأنها منهوبة على أيدي من يفترض أن يكونوا حماة المال العام.
الحاجة إلى الإصلاح والمحاسبة
تقرير ديوان المحاسبة ليس مجرد وثيقة إدارية، بل هو دعوة عاجلة للإصلاح. لا يمكن تجاهل هذه الممارسات، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. المطلوب هو محاسبة كل مسؤول يثبت تورطه في إهدار المال العام، ووضع آليات صارمة لضبط الإنفاق وتحقيق الشفافية.
الختام: مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية
لا يمكن فصل أرقام التقرير عن معاناة الشعب الليبي اليومية. الفساد والإهمال المالي ليسا مجرد مشكلة إدارية، بل هما جريمة بحق المواطن والوطن. يجب أن يكون هناك تحرك حقيقي وجاد من أجل استعادة الثقة في مؤسسات الدولة وضمان أن يتم إنفاق كل دينار لصالح من يحتاجه فعلاً.