كتب أستاذ الاقتصاد السياسي “محمد بلقاسم البرغوثي”: المصرف المركزي ونهاية العاصفة
مقدمة: “مؤسسة تحت الضغط”
في الوقت الذي تراجعت فيه الكثير من مؤسسات الدولة أمام عواصف الانقسام السياسي والضغوط الاقتصادية، بقي مصرف ليبيا المركزي في قلب المشهد، يتحمل عبء الحفاظ على استقرار النقد والمالية العامة. وسط أزمة غير مسبوقة، مثّل المصرف خط الدفاع الأخير، في مهمة شديدة التعقيد تتطلب التوازن بين المتطلبات السياسية والضرورات الاقتصادية.
ضغوط الموازنات: البرلمان يطالب والإيرادات محدودة
لم يكن الطريق سهلاً أمام المصرف. البرلمان والسلطات التنفيذية ضغطوا بشدة لإقرار الموازنات وتسييلها، بينما الإيرادات تتراجع والنفقات تتضخم. في هذا السياق، حاول المصرف المناورة بين تلبية الطلبات العاجلة وحماية ما تبقى من الاستقرار النقدي. هذه القدرة على التوازن، وإن لم تُرضِ جميع الأطراف، عكست قدرة مؤسسية في إدارة المواقف الحرجة دون تعطيل كامل لعمل الدولة.
الدينار بين السوق الرسمي والموازي
العملة المحلية كانت مرآة للأزمة. السوق الموازي تجاوز في كثير من الاحيان كل التوقعات، لكن بقاء السعر الرسمي عند مستويات قابلة للتحكم لم يكن صدفة. هذه المقاربة حدّت من فقدان الثقة الكاملة بالنظام النقدي، وأبقت الباب مفتوحًا أمام الإصلاحات حين تتوافر الظروف السياسية والاقتصادية الملائمة.
إدارة الأزمة: العمل في الظل
قد يرى البعض أن المصرف المركزي أخطأ في بعض القرارات، لكن لا يمكن تجاهل أن قراراته كانت تُتخذ في بيئة شديدة التعقيد، انقسام مؤسسي وتراجع الاحتياطيات ووانخفاض إنتاج النفط في بعض الفترات بنسبة تتجاوز 60%. ورغم ذلك، لم يتوقف تسييل المرتبات، ولم تشهد البلاد انهيارًا ماليًا شاملًا، وهو إنجاز يُحسب للمصرف في مثل هذه الظروف.
بداية هدوء ما بعد العاصفة
مع تحسن طفيف في إنتاج النفط ليصل إلى أكثر من 1.2 مليون برميل يوميًا في الربع الثاني من 2025، وتغيرات إدارية في قيادة المصرف، ظهرت بوادر فرصة لإعادة رسم السياسات النقدية على أسس أكثر استدامة. التحدي الأهم يبقى في قدرة المصرف على الحفاظ على استقلاليته في ظل ضغوط سياسية لا تهدأ.
خاتمة: الإنجاز الذي لا يُرى بالعين المجردة
مصرف ليبيا المركزي ليس مؤسسة مثالية، لكنه كان صمام أمان في لحظة تاريخية صعبة. استمرار تسييل الرواتب، بقاء الأسواق تعمل، وعدم انهيار المنظومة المالية رغم كل التحديات ليست تفاصيل هامشية، بل دليل على مؤسسة أدارت الأزمة بصمت وحذر. نهاية العاصفة قد لا تكون قريبة، لكن الخطوات التي يرسمها المصرف اليوم تشير إلى إدراك واضح لمسؤولياته في بناء الاستقرار المالي للدولة.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا