لطالما كانت الأزمة الليبية مرآة تعكس فساد النخب السياسية وتصارع المصالح الضيقة على حساب آمال شعب يرزح تحت وطأة الانقسام والحرب. وفي هذا السياق، برزت تصريحات عضو مجلس النواب سالم قنيدي لتسليط الضوء على التحديات التي تعرقل أي مسار نحو الاستقرار، مُشيرًا بأصابع الاتهام إلى المجلس الرئاسي و الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
أحد أبرز معالم الأزمة الحالية هو انقسام المجلس الأعلى للدولة إلى معسكرين متناحرين: الأول يقوده خالد المشري، والثاني برئاسة محمد تكالة، المدعوم بشكل صريح من عبد الحميد الدبيبة. هذا الانقسام ليس مجرد اختلاف في الرؤى، بل استراتيجية متعمدة من قبل الدبيبة لتأجيج الفوضى وضمان بقاء حكومته التي تجاوزت ولايتها الدستورية.
الدبيبة، الذي يُعرف بإتقانه للعب على التناقضات، لم يدّخر جهدًا في استغلال تكالة كأداة لتعطيل أي جهود للحوار السياسي. في المقابل، يظهر المشري، رغم مواقفه المتذبذبة، عاجزًا عن توحيد المجلس أو تقديم بدائل حقيقية للخروج من الأزمة.
يرى قنيدي أن المجلس الرئاسي أصبح أداة لتعزيز نفوذ الدبيبة بدلاً من أن يكون جزءًا من الحل. ويصف المجلس بأنه يعمل خارج إطار الشرعية، مُذكّرًا بالطريقة المشبوهة التي تم من خلالها تشكيله، بما في ذلك الرشاوى التي دُفعت خلال ملتقى جنيف.
منذ وصوله إلى السلطة، اعتمد المجلس الرئاسي على قرارات أحادية لا تخدم سوى إبقاء حكومة الدبيبة في المشهد. هذه القرارات، التي تفتقر إلى الأسس القانونية، تُعقّد المشهد وتزيد من استياء الشعب الليبي الذي يبحث عن قيادة قادرة على إدارة مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة.
وفي سياق آخر، انتقد قنيدي البعثة الأممية في ليبيا لتأخرها في اتخاذ خطوات حاسمة لحل الجمود السياسي. فبينما كان يُنتظر منها تقديم خارطة طريق واضحة ومُلزمة لجميع الأطراف، اكتفت البعثة بإطلاق بيانات عامة لا تتعدى كونها محاولات لامتصاص الغضب الشعبي والدولي.
يرى المراقبون أن تأخر البعثة في التعامل مع الانقسامات الداخلية، وخاصة تلك المتعلقة بالمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي، أعطى الدبيبة مساحة واسعة للمناورة السياسية وشراء الولاءات لضمان بقاء حكومته على رأس السلطة.
ما يميز الدبيبة هو قدرته على استغلال كل فرصة لصالح بقائه، حتى لو كان ذلك يعني تدمير فرص استقرار البلاد. من التلاعب بميزانيات الدولة إلى شراء الذمم السياسية، يبدو أن الرجل مستعد لفعل أي شيء لضمان عدم مغادرته المشهد.
أحد أبرز أدواته هو دعم المعسكر الذي يقوده تكالة داخل مجلس الدولة، ما أدى إلى شل فعالية المجلس وجعله عقبة أمام أي حلول سياسية. في الوقت ذاته، يعتمد الدبيبة على شبكة من المصالح الاقتصادية التي تربطه برجال أعمال وميليشيات محلية لضمان ولائهم له.
في ظل هذه المعطيات، يبدو المشهد السياسي الليبي أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. استمرار الدبيبة في السلطة، وانقسام المؤسسات، وتأخر المجتمع الدولي في اتخاذ مواقف حاسمة كلها عوامل تُنذر بفترة طويلة من عدم الاستقرار.
الحل الوحيد يكمن في إرادة حقيقية من الأطراف الليبية نفسها لإعلاء المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية. ولكن في ظل سيطرة أمثال الدبيبة، الذي يضع طموحه الشخصي فوق كل اعتبار، يبدو هذا الحل بعيد المنال.