بينما كانت طرابلس تستعد لاستقبال فصل الشتاء، باغتتها الأمطار الغزيرة لتفضح مرة أخرى هشاشة المشاريع الحكومية المليارية. في عين زارة، حيث أنفقت حكومة الدبيبة ميزانيات ضخمة ضمن ما أسمته بـ”مشروعات عودة الحياة”، ظهر هبوط أرضي بالقرب من مسجد فطرة، مشهد مأساوي يُلخص مأزق الإدارة العامة في ليبيا.
طرابلس الغارقة: شوارع مشروعات “عودة الحياة” تحت الماء
إن المشاريع التي رُوّج لها كمنجزات ضخمة تحولت إلى كارثة تُغرق العاصمة في الفوضى. شوارع طرابلس التي غُرقت بفعل الأمطار كشفت عيوب التنفيذ وسوء التخطيط. ويأتي ذلك بعد الإعلان عن صرف 127 مليار دينار ليبي على بند التنمية خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط. السؤال المحوري هنا: أين ذهبت هذه الأموال؟
مشاريع البنية التحتية التي يُفترض أنها تحصّن العاصمة ضد تقلبات الطقس، أظهرت فشلها مع أول اختبار حقيقي. هذه المشروعات، التي زُعِم أنها تعيد الحياة للمدن الليبية، لم تكن سوى استنزاف لموارد الشعب الليبي، بينما بقي المواطن يعاني من تداعيات الإهمال وسوء الإدارة.
بني وليد: الإسعاف بين الصمود والانهيار
وفي بني وليد، تتصاعد معاناة جهاز الإسعاف والطوارئ الذي يعمل في ظروف لا تُطاق. بحسب تصريحات رئيس الجهاز، محمد أبو النيران، يواجه الجهاز خطر الإغلاق بسبب انعدام الدعم الحكومي. هذا المرفق الحيوي، الذي يخدم حوالي 140 ألف نسمة في ثلاث بلديات، يعمل بثلاث سيارات فقط، بينما معظم المركبات الأخرى معطلة وتحتاج إلى صيانة عاجلة.
غياب السيارات الصحراوية وأدوات السلامة، ونقص المعدات الأساسية مثل الملابس والمفروشات، يُظهر مدى التجاهل الذي يعانيه الجهاز من قبل الجهات الحكومية. أبو النيران لم يتردد في مناشدة حكومتي الدبيبة وحماد، لكن يبدو أن النداءات الإنسانية لا تصل إلى آذان المعنيين.
مليارات ضائعة ومسؤولية غائبة
منذ عام 2011، صُرِف ما يقارب 700 مليار دينار ليبي على مشاريع التنمية، منها 500 مليار خلال السنوات الثلاث الأخيرة. هذه الأرقام الهائلة تكشف عن فجوة بين ما يُعلَن وما يُنجَز فعليًا. حكومة الدبيبة، التي تزعم أنها تسعى لإعادة بناء البلاد، لم تُظهر سوى استنزاف للموارد دون تحقيق أي تحسين يُذكر على أرض الواقع.
إن ما يحدث في بني وليد وطرابلس هو جزء من صورة أشمل للأزمة التي تعانيها ليبيا. المشاريع الكبرى، التي كان يُفترض أن تخلق فرص عمل وتُحسّن البنية التحتية، أصبحت مجرد وسائل لتحقيق مكاسب سياسية ومالية ضيقة على حساب المواطنين.
الخاتمة: حكومة بلا رؤية ولا محاسبة
في النهاية، لا يمكن فصل هذه الكوارث عن سوء الإدارة المزمن الذي يُميز حكومة الدبيبة. ما بين الطرق الغارقة في طرابلس وجهاز الإسعاف المهدد بالإغلاق في بني وليد، يبدو أن حكومة الوحدة الوطنية تفشل في الوفاء حتى بأبسط التزاماتها تجاه الشعب.
ما تحتاجه ليبيا اليوم ليس فقط مشاريع عملاقة، بل قيادة قادرة على التخطيط والتنفيذ بشفافية ومسؤولية. الشعب الليبي، الذي أنهكته الأزمات، يستحق حكومة تُعطي الأولوية لمعاناته بدلاً من هدر أمواله على مشروعات بلا جدوى.