على مدار عقد كامل، غابت الخطوط الجوية التركية عن بنغازي. لكن إعلان الشركة استئناف رحلاتها إلى المدينة بدءًا من 14 يناير 2025، يأتي في سياق متعدد الأبعاد يمتزج فيه الاقتصادي بالسياسي، والتجاري بالدبلوماسي.
استئناف هذه الرحلات ليس مجرد قرار طيران تجاري؛ فهو يفتح نافذة على متغيرات أكبر في العلاقات الثنائية بين ليبيا وتركيا. فالخطوة تزامنت مع تحولات سياسية شهدتها المنطقة بعد سنوات من الاضطرابات التي أثرت على بنية الطيران المدني في ليبيا، وأغلقت سماءها أمام العديد من الخطوط الدولية.
لطالما كان النقل الجوي مؤشرًا على قوة العلاقات بين الدول. استئناف الخطوط التركية رحلاتها إلى بنغازي يشير إلى رغبة أنقرة في تعزيز وجودها في شرق ليبيا بعد أن ركزت لعقد من الزمن على الغرب الليبي ومطار معيتيقة الدولي.
وفقًا لتصريحات “بلال إيكشي”، الرئيس التنفيذي للشركة، فإن بنغازي ستشهد ثلاث رحلات أسبوعية، ما يعني أن الخطوة ليست مجرد استئناف رمزي، بل خطة استراتيجية تشمل تعزيز العلاقات الاقتصادية.
تُعتبر بنغازي مركزًا اقتصاديًا واعدًا، إذ تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يؤهلها لتكون حلقة وصل بين شرق ليبيا والدول المجاورة. استئناف الرحلات يمكن أن يسهم في زيادة التبادل التجاري بين ليبيا وتركيا، وهو هدف طالما سعت إليه أنقرة لتعزيز نفوذها في المنطقة.
كما أن تحسين روابط النقل الجوي يفتح آفاقًا جديدة للسياحة والاستثمار، وهي قطاعات تأثرت بشدة جراء الأزمات الأمنية.
الخطوة تحمل في طياتها رسالة دبلوماسية واضحة. فاستئناف الخطوط الجوية بعد عشر سنوات من التوقف يعكس تغيرًا في الأوضاع الأمنية شرق ليبيا، كما يعكس رغبة تركيا في تنويع علاقاتها داخل البلاد وعدم اقتصارها على حكومة الدبيبة منتهية الولاية في طرابلس.
تركيا التي لعبت دورًا فاعلًا في دعم حكومة الوفاق ومن بعدها حكومة الدبيبة ، تجد نفسها اليوم أمام تحدي بناء جسور التواصل مع الشرق.
عودة الطيران التركي إلى بنغازي ليست مجرد خطوة منفصلة؛ بل تأتي ضمن سلسلة من التطورات التي تسعى ليبيا من خلالها لتحسين بنيتها التحتية وإعادة بناء علاقاتها الدولية. كما أنها تمثل فرصة لتعزيز حضور تركيا في سوق الطيران الليبي، الذي يُعد واعدًا على الرغم من التحديات.
من جهة أخرى، فإن تطوير مطار بنينا الدولي واستعداده لاستقبال رحلات جديدة سيضع المدينة في قلب الخريطة الجوية الدولية مجددًا.
يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه العودة ستُتوج بتوسيع التعاون التركي الليبي ليشمل مجالات أخرى. فمع استئناف الخطوط التركية رحلاتها إلى بنغازي، يبدو المستقبل واعدًا للعلاقات بين البلدين، ولكنه يعتمد بشكل كبير على قدرة الطرفين على تحويل هذه الخطوات إلى شراكة استراتيجية مستدامة تخدم مصالحهما المشتركة.