التدخلات الخارجية.. هل هي المحرك الخفي لأزمات المنطقة؟
في مداخلة أمام مجلس الأمن الدولي، أطلق وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف صيحة تحذير بشأن التدخلات الخارجية، التي باتت حسب وصفه العامل المشترك في أزمات دول عدة، تمتد من ليبيا إلى اليمن، ومن السودان إلى سوريا. وأشار عطاف إلى أن هذه التدخلات لا تعرقل فقط الجهود الرامية إلى إيجاد حلول سياسية مستدامة، بل تهدد كيان الدول ذاتها بالتجزئة والانقسام.
ليست التدخلات الخارجية ظاهرة جديدة على المنطقة، لكن ما يجعلها اليوم أكثر خطورة هو تحولها من أداة لتحقيق مصالح دولية إلى عنصر تفتيت مباشر للنسيج الوطني في الدول المتضررة. في ليبيا، على سبيل المثال، أصبحت البلاد ساحة مفتوحة لقوى إقليمية ودولية تتصارع على النفوذ. ولعل الانقسام السياسي الحاد، وتعدد الأطراف المسلحة، هو أبرز النتائج الوخيمة لهذا التدخل.
في اليمن، يبرز المشهد كدراسة نموذجية للتدخلات الخارجية، حيث تواجه البلاد صراعاً متعدد الجبهات بفضل دعم قوى خارجية لطرفي النزاع. والنتيجة؟ أزمة إنسانية تُصنف ضمن الأسوأ عالمياً، وكيان وطني بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
رغم أن المجتمع الدولي لطالما شدد على أهمية الحلول السياسية، فإن التدخلات الخارجية كانت السبب الرئيسي في إفشال هذه المساعي. المبادرات الأممية في ليبيا واجهت عراقيل مستمرة، ليس بسبب الأطراف المحلية فحسب، بل نتيجة الدعم الخارجي لهذه الأطراف، الذي يُبقي جذوة الصراع مشتعلة.
أما في سوريا، فقد أصبحت الأزمة معقدة بشكل يجعل الحل السياسي شبه مستحيل، إذ تدخلت قوى دولية وإقليمية كبرى لتحقيق مصالحها، متجاهلة تماماً مصلحة الشعب السوري.
تسعى الجزائر، عبر دبلوماسيتها التي تتمسك بالحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، إلى تقديم نموذج مختلف. وفي كلمته أمام مجلس الأمن، أكد عطاف ضرورة وقف التدخلات الخارجية التي تسببت في تأجيج النزاعات وإضعاف الدول. هذا الموقف يضع الجزائر في موضع المدافع عن سيادة الدول، بعيداً عن الحسابات الإقليمية أو المصالح الضيقة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاوز هذه الإشكالية؟ تبدو الإجابة معقدة في ظل النظام الدولي الحالي، الذي يعتمد على توزيع النفوذ وتقاسم المصالح. ومع ذلك، فإن دعوات مثل تلك التي أطلقها وزير الخارجية الجزائري قد تكون بداية لإعادة التفكير في شكل التدخلات وأهدافها.
من أخطر ما أشار إليه عطاف هو تهديد التدخلات لكينونة الدول ذاتها. التجزئة والانقسام لم تعد مجرد تهديد نظري، بل واقع ملموس في عدة دول. السودان، بعد انفصال جنوبه، ما زال يعاني أزمات متواصلة تهدد بانفصال جديد. وفي ليبيا، التقسيم الجغرافي والسياسي أصبح أمراً وارداً في ظل الانقسام المستمر بين الشرق والغرب.
في ختام كلمته، دعا عطاف المجتمع الدولي إلى توحيد الجهود لإنقاذ الدول المتضررة من براثن التدخلات الخارجية. هذه الدعوة ليست مجرد كلمات، بل هي نداء لإنقاذ أجيال قادمة من مصير مجهول. فبدون تكاتف دولي حقيقي، ستظل الأزمات تتفاقم، وستبقى الدول تحت رحمة قوى خارجية لا تنظر إلى أبعد من مصالحها الآنية.