منذ سنوات، تحولت ليبيا إلى ملف دولي بالغ التعقيد، تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية على نحو لم يترك للشعب الليبي سوى انتظار حل قد لا يأتي بسهولة. في هذا السياق، أدلى عضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي، بتصريحات لافتة كشفت عن تطورات جديدة تخص المشهد السياسي الليبي ودور الأمم المتحدة فيه.
أكد الشركسي في تصريحات تلفزيونية تابعتها “أخبار ليبيا 24“ أن المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، ستكمل العمل على المسار الذي خططت له المبعوثة السابقة ستيفاني خوري، دون إدخال تغييرات جوهرية. واعتبر أن استمرار الخطة الحالية هو انعكاس لرؤية أممية تعترف بعدم الحاجة إلى تعقيد المشهد بمبادرات جديدة، بل تركز على تحسين آليات تنفيذ ما هو موجود بالفعل.
وأوضح الشركسي أن الإعلان عن تشكيل اللجنة الاستشارية، التي ستضم خبراء وقانونيين وفنيين، سيتم خلال الأسبوع الحالي، وستكون مهمتها صياغة خارطة طريق واقعية وقابلة للتنفيذ. هذه الخارطة ستُعرض لاحقًا على حوار سياسي موسع للوصول إلى توافق وطني، وهو ما اعتبره الشركسي خطوة ضرورية للخروج من الأزمة.
تحدث الشركسي بوضوح عن رؤيته للمصالحة الوطنية، مؤكدًا أن هذا المصطلح لا ينبغي أن يُختزل في “مهرجانات وجلسات”، بل يجب أن يُترجم إلى عملية تراكمية مبنية على المصلحة العامة. وشدد على أن هذه العملية لن تكون ذات قيمة ما لم تستند إلى مؤسسات شرعية منتخبة تعبر عن إرادة الليبيين.
وأشار إلى أن الحوار الموسع الذي تسعى الأمم المتحدة لرعايته يجب أن يفضي إلى ميثاق وطني يتسم بالبساطة، بهدف تجاوز التحديات الراهنة ووضع أساس متين للاستقرار السياسي والاقتصادي.
بحسب الشركسي، فإن خارطة الطريق المنتظرة ستُحال إلى مجلسي النواب والدولة مع توجيه واضح بضرورة عدم إدخال تعديلات جوهرية عليها. ورأى أن أي محاولة من قبل المجلسين لعرقلة الخطة ستؤدي إلى تدخل لجنة موسعة ذات مستوى رفيع، ما يعكس تصعيدًا أمميًا قد يكون غير مسبوق.
وأضاف الشركسي أن استمرار الأزمة الليبية يصب في مصلحة بعض الأطراف السياسية، التي ترى في الوضع القائم فرصة للحفاظ على نفوذها. وأكد أن الأمم المتحدة تدرك هذا الواقع، لكنها تتعامل معه بحذر، حيث تراهن حاليًا على الحفاظ على استقرار هش بدلًا من المخاطرة بتصعيد قد يخرج عن السيطرة.
انتقد الشركسي أداء الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنها لم تتحرك بجدية إلا في أوقات الأزمات الحادة، مثل حرب 2014 وحرب 2019. وأشار إلى أن ليبيا أصبحت سلعة رائجة للأطراف الدولية، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الخاصة دون تقديم حلول حقيقية للأزمة.
وأكد أن هذا الوضع يجعل من الصعب على الليبيين استعادة زمام الأمور، في ظل تدخلات دولية متزايدة تستغل الانقسامات الداخلية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
مع استمرار حالة الجمود السياسي، تبدو خارطة الطريق المقترحة أملًا جديدًا، لكنه محفوف بالتحديات. فنجاح هذه الخطة يتطلب تعاونًا حقيقيًا من مجلسي النواب والدولة، بالإضافة إلى دعم شعبي واسع.
ومع ذلك، تظل التساؤلات قائمة حول مدى قدرة الأمم المتحدة على فرض إرادتها على الأطراف المتنازعة، وهل ستنجح تيتيه في تحقيق ما عجز عنه سابقوها؟ الأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات.