في مشهد سياسي واقتصادي شديد التعقيد، تقترب ليبيا من مفترق طرق مالي غير مسبوق! فمع استمرار الانقسام السياسي وغياب حكومة موحدة، تلوح في الأفق أزمة مالية قد تدفع البلاد إلى خطوة لم تشهدها من قبل: إعداد موازنة موزعة على حكومتين!
عضو اللجنة المالية بمجلس النواب، عبد المنعم بالكور، أطلق تصريحات مثيرة، تكشف عن نية البرلمان اللجوء إلى هذا الخيار في حال عدم التوصل إلى حكومة موحدة بحلول شهر أبريل. فهل هذه خطوة اضطرارية لضبط الإنفاق، أم أنها تعميق لحالة الانقسام؟
الموازنة العامة هي حجر الزاوية لأي دولة، فهي التي تحدد أوجه الإنفاق والموارد، لكن في ظل حكومتين متنازعتين، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. فحتى الآن، لا توجد رؤية واضحة حول كيفية توحيد المؤسسات المالية، مما أدى إلى غياب موازنة موحدة، وبالتالي إلى تفاقم أزمة الصرف والإنفاق غير المنظم.
بالكور لم ينكر صعوبة الموقف، لكنه أشار إلى أن هذه الفكرة قد تكون حلاً مؤقتًا لضبط النفقات وضمان استمرار الخدمات الأساسية، خاصة مع اتساع رقعة الإنفاق الحكومي في ظل غياب آلية موحدة للإدارة المالية.
في ظل هذا التخبط، جاء تقرير لجنة الخبراء الدولية ليسلط الضوء على المخاطر التي تواجه الاقتصاد الليبي نتيجة غياب الموازنة الموحدة. التقرير كشف أن غياب التنسيق المالي بين الحكومتين أدى إلى تضخم المصاريف، وفتح الباب أمام إهدار الأموال العامة!
ما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن محافظ المصرف المركزي نفسه أقرّ بأن الوضع يتطلب تحركًا سريعًا، وقد اتفق مع اللجنة المالية بمجلس النواب على صرف النفقات الضرورية فقط، في محاولة لمنع انهيار النظام المالي وسط هذا الانقسام الحاد.
إن إقرار موازنة مزدوجة سيكون سابقة خطيرة، فهو يعترف ضمنيًا بحالة الانقسام، ويشرعن وجود حكومتين مستقلتين ماليًا. هذا الأمر قد يعمّق الخلافات السياسية، ويفتح الباب أمام المزيد من الأزمات الاقتصادية، وربما يزيد من تعقيد الجهود الدولية لتوحيد المؤسسات المالية في البلاد.
لا شك أن الحل الأمثل للخروج من هذا النفق المظلم هو تشكيل حكومة موحدة قادرة على إدارة الموارد المالية بكفاءة، وإقرار موازنة شفافة وعادلة تلبي احتياجات المواطنين بعيدًا عن الصراعات السياسية.
ولكن.. مع اقتراب أبريل الحاسم، يبقى السؤال الأهم: هل سيشهد التاريخ أول موازنة لحكومتين في ليبيا؟ أم ستنتصر الإرادة السياسية في توحيد البلاد ماليًا قبل فوات الأوان؟
التطورات القادمة ستكون حاسمة.. فلنترقب بحذر!