المؤسسة الوطنية للنفط تكشف أرقام الميزانية: تحليل مالي ورسائل سياسية
نشرت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تقريرًا حديثًا يستعرض ميزانياتها خلال الأعوام 2022 و2023 و2024، مسلطة الضوء على الأرقام المالية الفعلية وما تم صرفه بالفعل، وسط تحذيرات من تأثير تأخر ميزانية 2024 على الإنتاج النفطي. وبينما يُنظر إلى هذا الإفصاح على أنه خطوة نحو الشفافية، إلا أنه يثير تساؤلات محاسبية واقتصادية تتعلق بطريقة عرض البيانات المالية وتأثيرها على المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.
أشارت بيانات المؤسسة الوطنية للنفط إلى أن إجمالي الميزانية النفطية المعتمدة خلال عامي 2022 و2023 بلغ 51.7 مليار دينار، تم تسييل 49.1 مليار دينار منها، بينما وصل الإنفاق الفعلي إلى 45.9 مليار دينار. أما بالنسبة لعام 2024، فلم يتم تخصيص أي ميزانية باستثناء بند المرتبات، وهو ما يثير مخاوف بشأن الالتزامات المالية المستقبلية.
أحد الملاحظات المهمة في التقرير تتعلق بتكاليف الإنتاج، حيث بلغت تكلفة إنتاج البرميل في 2022 حوالي 11.50 دولارًا، لترتفع إلى 13.77 دولارًا في 2023، قبل أن تنخفض نسبيًا إلى 12.47 دولارًا في 2024. ورغم هذا التراجع الطفيف، فإن التكلفة لا تزال مرتفعة مقارنة بالمعايير الدولية، مما يعكس تحديات مرتبطة بالكفاءة التشغيلية والإنفاق العام.
لم يتم تخصيص أي ميزانية جديدة للمؤسسة في عام 2024 باستثناء المرتبات، وهو ما دفعها للتحذير من تداعيات ذلك على الإنتاج النفطي، حيث يعتمد القطاع على السيولة النقدية لضمان استمرارية أعمال الصيانة والتطوير. وتشير التقديرات إلى أن المؤسسة تحتاج إلى 14 مليار دينار لسد العجز المالي للعام الحالي، مما يعني أن تأخر صرف الميزانيات قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج، خاصة في ظل عزوف بعض المقاولين عن العمل بسبب عدم استلام مستحقاتهم.
وفقًا لمعايير الصناعة النفطية العالمية، فإن تكلفة المرتبات يجب أن تتراوح بين 0.50 – 0.60 دولار لكل برميل، بينما بلغت في ليبيا 2.75 دولار للبرميل في 2024، وهو معدل مرتفع نسبيًا يعكس تضخم فاتورة الأجور في القطاع.
الطريقة التي قدمت بها المؤسسة تقريرها المالي تحمل بُعدًا سياسيًا واضحًا، حيث يبدو أنها تسعى لتأكيد أن جميع الأموال التي تم رصدها قد تم صرفها بالكامل، وفي الوقت ذاته تلقي باللوم على السلطات التشريعية والتنفيذية بسبب تأخر صرف ميزانية 2024، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعطل الإنتاج مستقبلاً. كما أن عدم وجود مراجعة مستقلة لهذه الأرقام يقلل من قيمتها المحاسبية، ويجعلها عرضة للتأويلات المختلفة.
يظل القطاع النفطي في ليبيا ركيزة أساسية للاقتصاد، ولكن استمراره في ظل هذه الظروف يتطلب شفافية أكبر في إدارة الميزانيات، وضمان عدم تأخر الصرف لتجنب تعطل الإنتاج. ومع استمرار التحديات الاقتصادية والسياسية، يبقى السؤال الأهم: كيف ستتم معالجة العجز المالي في 2024، وما مدى تأثير ذلك على مستقبل القطاع النفطي في ليبيا؟