مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتعالى الأصوات داخل الأوساط الليبية بين تطمينات حكومية وتحذيرات شعبية من موجة ارتفاع جديدة في أسعار السلع الأساسية. وبينما تعلن الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد في الشرق عن دعمها لعدد من المواد الغذائية بنسبة 50%، تخرج حكومة عبد الحميد الدبيبة منتهية الولاية في الغرب لتؤكد وفرة السلع دون توضيح آليات ضبط الأسواق. ومع استمرار هذه المعادلة المعقدة، يظل المواطن هو الضحية الأولى لهذه التجاذبات السياسية والاقتصادية.
في الوقت الذي تطمئن فيه الحكومتان المواطنين بأن الأسواق ستبقى مستقرة خلال الشهر الفضيل، تتوالى شكاوى الليبيين من الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية، مثل الدقيق والزيت والسكر والأرز، وهي مواد لا يمكن الاستغناء عنها على موائد رمضان. ورغم أن الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد اتخذت خطوة دعم بعض السلع، إلا أن تجار السوق يعيدون تقييم هذه القرارات، معتبرين أنها لا تكفي لمواجهة التضخم والتقلبات في أسعار الصرف.
يؤكد أستاذ الاقتصاد عبد الحميد الفضيل أن محاولات تسعير السلع أو التحكم في الأسواق لن تنجح ما لم يتم معالجة جذور الأزمة، مشيرًا إلى أن التجار قد يلجؤون إلى سحب السلع المدعومة من الأسواق لبيعها لاحقًا في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
يشكو الليبيون من أن وعود الحكومات المتعاقبة لم تنعكس إيجابيًا على حياتهم اليومية، خصوصًا مع استمرار أزمة تأخر صرف الرواتب. ويقول المواطن سالم الورفلي، رب أسرة مكونة من خمسة أفراد، إن “رمضان بات كابوسًا للطبقة المتوسطة، حيث يجد أرباب الأسر أنفسهم عاجزين عن تأمين مستلزمات الشهر الفضيل مع تفاقم الأسعار وتأخر المرتبات.”
وفي ظل هذا الواقع، يضطر كثير من الليبيين إلى اللجوء إلى الاقتراض أو تقليل كميات الشراء، وهو ما يضاعف من المعاناة اليومية. ويؤكد رئيس منظمة “الرقيب لحماية المستهلك”، وائل الصغير، أن كثيرًا من السلع المدعومة لا تصل إلى مستحقيها بسبب الفساد والتلاعب في آليات التوزيع.
رغم أن الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد اتخذت خطوة استيراد سلة غذائية مدعومة بنسبة 50%، إلا أن هناك مخاوف من تداعيات غير محسوبة لهذه السياسة. إذ يرى الاقتصاديون أن الدعم بهذا الشكل قد يكون محفزًا على التهريب وإعادة بيع السلع بأسعار مرتفعة.
في المقابل، تكتفي حكومة الدبيبة منتهية الولاية بتكرار التصريحات حول وفرة السلع دون طرح حلول عملية لمواجهة ارتفاع الأسعار. ويعتقد مراقبون أن تصريحات مسؤولي الحكومتين لا تتعدى كونها دعاية سياسية لكسب التأييد الشعبي، دون اتخاذ خطوات حقيقية لضبط السوق.
يتفق الخبراء الاقتصاديون على أن الأزمة الحقيقية تكمن في ضعف قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، وهو ما يزيد من تكلفة استيراد السلع. ويرى عبد الحميد الفضيل أن الحل الوحيد يكمن في تعزيز قيمة العملة المحلية، مشيرًا إلى أن تحسين سعر صرف الدينار سيكون أكثر فاعلية من أي دعم حكومي مباشر.
في النهاية، يظل المشهد الاقتصادي في ليبيا رهينًا للانقسام السياسي، حيث يتم استخدام الأزمات الاقتصادية كأدوات للصراع بين الأطراف المتنازعة على السلطة. وبينما ينتظر المواطن الليبي حلولًا جذرية، تستمر أسعار السلع في الارتفاع، ويبقى رمضان اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على إدارة الملف الاقتصادي بعيدًا عن الشعارات السياسية.