ليبيا على صفيح ساخن.. الانتخابات البرلمانية بين الحل والتهديد
في ظلّ سماء ليبيا الملبدة بغيوم الأزمات المتلاحقة، تطفو على السطح دعوة النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، لإجراء انتخابات برلمانية عاجلة، كحلٍّ يُفترض أن يعيد الشرعية المفقودة ويوحّد المؤسسات المنقسمة. لكن هذه الدعوة، التي جاءت تحت عنوان “نداء لإنقاذ الوطن”، لم تكن سوى شرارة أثارت سيلًا من التساؤلات حول جدواها ومخاطرها في ظلّ واقع سياسي معقّد يتّسم بالانقسامات الحادة والتدخلات الخارجية المتزايدة.
النويري، في بيانه، لم يترك مجالًا للشك في إيمانه بأن الانتخابات البرلمانية هي المخرج الوحيد من النفق المظلم الذي دخلت فيه ليبيا منذ سنوات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يمكن لهذه الانتخابات أن تكون الحلّ السحري في ظلّ غياب حكومة موحدة وقانون انتخابي متفق عليه؟ أم أنها ستكون مجرد خطوة أخرى في متاهة الأزمات التي لا تنتهي؟
من جهة أخرى، يرى المراقبون أن دعوة النويري تعكس تحوّلًا في موقف البرلمان، الذي كان سابقًا متمسكًا بأولوية الانتخابات الرئاسية. هذا التحوّل، وإن بدا استراتيجيًا في ظاهره، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة، خصوصًا في ظلّ تمسك الأطراف السياسية بمواقفها المتصلّبة، واستباقها لمخرجات اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة.
السنوسي إسماعيل، المتحدث السابق باسم مجلس الدولة، لم يخفِ قلقه من هذا المقترح، مؤكدًا أن إجراء انتخابات برلمانية دون الرئاسية قد يزيد من تعقيدات المرحلة الانتقالية، بل ويهدّد وحدة ليبيا في ظلّ الانقسامات الحالية. وأضاف في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″ أن غياب حكومة موحدة يجعل هذا المقترح محفوفًا بالمخاطر، خصوصًا مع تمسك الأطراف السياسية بمواقفها ورفضها التنازل عن مكاسبها.
التأجيل المتكرر للانتخابات، الذي كان مقررًا في ديسمبر 2021، يضع ليبيا أمام مرآة تعكس حجم الخلافات العميقة التي تعصف بمشهدها السياسي. فالقانون الانتخابي، الذي كان من المفترض أن يكون أداة لتحقيق الاستقرار، تحوّل إلى أداة للصراع بين الأطراف السياسية، مما أدى إلى تعطيل العملية الانتخابية برمّتها.
في هذا السياق، تبدو ليبيا وكأنها تقف على صفيح ساخن، حيث كل خطوة نحو الحلّ قد تحمل في طياتها بذور أزمة جديدة. الانتخابات البرلمانية، وإن كانت تبدو كحلٍّ منطقي لاستعادة الشرعية، إلا أنها تظلّ محفوفة بالمخاطر في ظلّ غياب التوافق السياسي والاجتماعي.
ختامًا، يمكن القول إن ليبيا تواجه معضلة وجودية: الانتخابات البرلمانية قد تكون بداية الطريق نحو الاستقرار، أو قد تكون خطوة أخرى في متاهة الأزمات. وفي كلتا الحالتين، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن للشعب الليبي أن يجد ضالّته في صناديق الاقتراع، أم أن الأزمة أعمق من أن تحلّها انتخابات؟