لطالما كانت المياه جوهر الحياة، لكن في ليبيا، باتت شريانًا مهددًا بالجفاف. فعلى امتداد رقعتها الصحراوية، تقف البلاد على أعتاب أزمة مائية خانقة، تتفاقم بفعل التغيرات المناخية وسوء الإدارة، وسط دعوات لتعزيز التعاون العربي لمواجهة الكارثة الوشيكة.
لم تكن تصريحات وزير الري المصري هاني سويلم عن الندرة المائية في المنطقة العربية مجرد أرقام جافة؛ بل كانت إنذارًا واضحًا لدول مثل ليبيا، التي تتصدر قائمة البلدان الأكثر تأثرًا بشح المياه. فرغم أن ليبيا تمتلك أحد أكبر مخزونات المياه الجوفية في العالم، إلا أن الاستهلاك الجائر، وضعف البنية التحتية، والتغيرات المناخية جعلتها على شفا أزمة غير مسبوقة.
الإعصار الذي ضرب ليبيا مؤخرًا كان بمثابة جرس إنذار، إذ أظهر هشاشة شبكات المياه والصرف الصحي في المدن المتضررة، حيث انهارت محطات الضخ وتلوثت مصادر المياه، ما دفع الخبراء للتحذير من كارثة بيئية وصحية طويلة الأمد.
تعتمد ليبيا بشكل شبه كلي على نظام النهر الصناعي العظيم، الذي ينقل المياه من الأحواض الجوفية جنوب البلاد إلى المدن الساحلية. لكن هذا المصدر يواجه تحديات كبيرة، منها النضوب التدريجي، والتلوث، وغياب الصيانة الدورية، ما يهدد بانقطاع الإمدادات في المستقبل القريب.
إلى جانب ذلك، تؤدي التغيرات المناخية دورًا رئيسيًا في تعميق الأزمة. فموجات الجفاف المتكررة وارتفاع درجات الحرارة أثرت على معدل التغذية الطبيعية للمياه الجوفية، ما دفع الخبراء للمطالبة ببدائل مستدامة.
إحدى الحلول المطروحة بقوة لمواجهة الأزمة هي تحلية مياه البحر. ورغم أن ليبيا بدأت بالفعل في تنفيذ بعض مشروعات التحلية، فإنها لا تزال محدودة ولا تلبي احتياجات السكان. كما أن هذه المشروعات تتطلب استثمارات ضخمة في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
التعاون مع دول الخليج، التي قطعت شوطًا كبيرًا في تكنولوجيا تحلية المياه، قد يكون خيارًا مطروحًا. لكن ذلك يعتمد على قدرة ليبيا على تأمين التمويل وضمان استمرارية هذه المشاريع.
أكدت مصر، خلال لقاء وزير الري المصري مع أمين عام الجمعية العربية لمرافق المياه، على ضرورة تعزيز التعاون العربي في مجال إدارة الموارد المائية. وقد تكون ليبيا من أكبر المستفيدين من هذا التعاون، عبر تبادل الخبرات في تقنيات إدارة المياه، وتطوير محطات التحلية، واستثمار المياه الجوفية بطرق أكثر استدامة.
لكن التحدي الأكبر أمام ليبيا لا يكمن فقط في ندرة الموارد، بل في غياب الاستقرار السياسي الذي يعرقل أي جهود تنموية حقيقية. فبين الصراعات الداخلية وانقسام مؤسسات الدولة، تبدو الحلول التقنية وحدها غير كافية ما لم يتم تأمين بيئة سياسية مستقرة تضمن تنفيذ الاستراتيجيات المائية بفعالية.
بينما تستمر أزمة المياه في ليبيا بالتفاقم، يبقى السؤال الأهم: هل تتحرك ليبيا بجدية لمواجهة التحدي قبل أن يفوت الأوان؟ في ظل استمرار النزاعات الداخلية وغياب التخطيط المستقبلي، فإن مستقبل الأمن المائي في البلاد يظل مجهولًا، إلا إذا تم اتخاذ خطوات فعلية نحو الاستثمار في البدائل المستدامة وتعزيز التعاون العربي والدولي.