ليبيا الان

انتخابات البلديات.. بين الأمل الديمقراطي وشبح العرقلة الأمنية

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

تستعد ليبيا، تلك الأرض التي شهدت تحولات دراماتيكية منذ اندلاع ثورتها، لجولة جديدة من الانتخابات البلدية، في ظل أجواء مشحونة بالتوتر والمخاوف. ورغم ما تحمله هذه الانتخابات من دلالات على الرغبة في إعادة بناء المؤسسات، فإنها تواجه في الوقت ذاته شبح العرقلة، سواء من الداخل أو الخارج.

في مشهد يعكس تعطش الشارع الليبي للمشاركة السياسية، تقدم نحو 5000 مرشح لخوض هذا السباق الديمقراطي، يتنافسون على 62 مجلسًا بلديًا، ما يعكس حراكًا سياسيًا حقيقيًا. ومع ذلك، فإن الحماس الانتخابي لا ينفي المخاوف التي تلاحق هذا الاستحقاق، فالميليشيات لا تزال تتحكم في المشهد الأمني، والانقسام السياسي بين حكومتين متنازعتين يلقي بظلاله الثقيلة، بينما تتربص المصالح الدولية بكل خطوة.

“الانتخابات البلدية في ليبيا ليست مجرد ممارسة ديمقراطية، بل ساحة صراع بين قوى تريد بناء الدولة وأخرى تسعى لإبقائها في حالة من الفوضى”، هكذا يقول خالد الحجازي، المحلل السياسي، معبرًا عن القلق الذي يساور الكثيرين.

فالانتخابات، التي يُفترض أن تكون خطوة نحو الاستقرار، قد تتحول إلى وقود جديد للصراع، خاصة في المناطق التي تتحكم فيها الميليشيات. إذ أن الجماعات المسلحة، التي ترى في الانتخابات تهديدًا لنفوذها، قد تلجأ لأساليب الترهيب، مما يعزز المخاوف من تعطيل العملية برمتها.

لكن، ما الذي يجعل الانتخابات البلدية في ليبيا مختلفة؟

على عكس الانتخابات الوطنية، تُعنى المجالس البلدية بتوفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون المواطنين مباشرة، مما يجعلها أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية. هذه النقطة تحديدًا قد تكون عامل جذب لمشاركة المواطنين، الذين سئموا من الفوضى ويريدون تحسين أوضاعهم، لكنها في الوقت نفسه تضعها في مواجهة مباشرة مع الميليشيات التي تستفيد من ضعف السلطة المحلية.

“أي انتخابات في بلد منقسم على نفسه هي مغامرة محفوفة بالمخاطر”، هكذا يصف سالم أبو خزام المشهد الليبي. فمع وجود حكومتين متنازعتين، إحداهما في طرابلس والأخرى في بنغازي، تبدو الانتخابات وكأنها تسير فوق حقل ألغام سياسي.

إذ أن كل طرف يسعى لتعزيز شرعيته من خلال المجالس البلدية، مما يفتح الباب أمام احتمالات عدة، مثل رفض نتائج الانتخابات في بعض المناطق، أو محاولة بعض الأطراف فرض مرشحيها بالقوة، مما قد يُفرغ العملية من مضمونها الديمقراطي.

لا يمكن الحديث عن الانتخابات الليبية بمعزل عن التدخلات الخارجية، فالمشهد الداخلي الهش يجعل البلاد ساحة مفتوحة أمام القوى الإقليمية والدولية، التي تتصارع على النفوذ منذ سقوط نظام القذافي.

“التدخلات الخارجية قد تكون إيجابية أو سلبية، لكنها في كل الأحوال ليست محايدة”، يوضح الحجازي. فمن ناحية، تقدم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي دعمًا ماليًا ولوجستيًا للمفوضية العليا للانتخابات، مما يسهم في تنظيم العملية. لكن في المقابل، هناك دول قد تسعى لتعطيل الانتخابات إذا رأت أنها تهدد مصالحها، سواء عبر التأثير على بعض الأطراف الداخلية أو من خلال إثارة الفوضى في مناطق حساسة.

رغم كل هذه التحديات، فإن تسجيل 5000 مرشح يعد مؤشرًا على وجود رغبة حقيقية في المشاركة السياسية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيترجم هذا الإقبال على الترشح إلى نسبة مشاركة مرتفعة؟

تشير التوقعات إلى أن نسبة التصويت قد تتراوح بين 30 – 50%، مع تفاوت كبير بين المناطق المستقرة والمضطربة. فقد شهدت بعض البلديات تجارب انتخابية ناجحة في السنوات الأخيرة، مثل مصراتة وزوارة، مما قد يشجع الناخبين على التوجه إلى صناديق الاقتراع. لكن في المقابل، فإن الخوف من العنف وانعدام الثقة في العملية الانتخابية قد يدفع البعض للعزوف عن المشاركة.

ما لم تتوفر بيئة آمنة، فإن نجاح الانتخابات يظل محل شك. فالمواطن الليبي، الذي عانى من سنوات طويلة من الصراعات، بحاجة إلى ضمانات حقيقية بأن صوته سيُحتَرم، وأن العملية الانتخابية لن تتحول إلى مجرد ورقة ضغط سياسية.

“لا يمكن أن نطلب من المواطنين المشاركة بينما هم يخشون على حياتهم”، يقول أبو خزام، مشيرًا إلى أن غياب الأمن قد يكون العامل الحاسم في تحديد نسبة المشاركة.

في النهاية، تبقى الانتخابات البلدية في ليبيا اختبارًا حقيقيًا لقدرة البلاد على استعادة مسارها الديمقراطي. فإذا نجحت، فقد تمثل خطوة نحو بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الحكم المحلي. أما إذا فشلت، فقد تكرّس حالة الانقسام والفوضى، مما يجعل الحديث عن مستقبل مستقر حلمًا بعيد المنال.

وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى الأمل معلقًا بإرادة الليبيين أنفسهم، الذين يدركون أن مستقبل بلادهم لا يمكن أن يُرتهن لمصالح الخارج أو حسابات الداخل. فهل تكون هذه الانتخابات بداية جديدة أم مجرد محطة أخرى في طريق طويل من الاضطرابات؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24