الإعلام ودوره في تشكيل وعي المرأة وتعزيز القيم المجتمعية
لطالما كان للإعلام تأثير عميق في تشكيل الرأي العام، وتوجيه الأفكار، وبناء التصورات حول مختلف القضايا الاجتماعية. وفي هذا السياق، تبرز قضايا المرأة كإحدى القضايا الأساسية التي تحتاج إلى معالجة دقيقة ومتوازنة، بعيدًا عن التحيزات الأحادية أو الطروحات السطحية. سلطنة المسماري، عضو مجلس النواب، سلطت الضوء على هذه الإشكالية مؤكدة أن الإعلام في ليبيا يجب أن يتحمل مسؤوليته في رفع وعي المرأة، وتعزيز منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع.
منذ نشأة وسائل الإعلام، كانت المرأة محورًا رئيسيًا للخطاب الإعلامي، سواء في الصحافة المطبوعة، أو التلفزيون، أو حتى في العصر الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي. لكن السؤال الأهم، هل قدم الإعلام صورة متوازنة عن المرأة؟
تشير العديد من الدراسات إلى أن الإعلام كثيرًا ما يختزل قضايا المرأة في بعد واحد، إمّا التركيز على حقوقها فقط، أو تصويرها كضحية دائمة، دون إبراز دورها كفاعل رئيسي في بناء المجتمع. وهذا ما دفع المسماري إلى التأكيد على أن المرأة ليست فقط نصف المجتمع من حيث العدد، بل هي التي تنشئ النصف الآخر وتؤثر في تكوينه، مما يجعل دورها حاسمًا في ترسيخ القيم الأخلاقية.
شهد المجتمع الليبي في السنوات الأخيرة تحولات اجتماعية جذرية، تراوحت بين التغيرات الاقتصادية والسياسية، وبين التأثيرات الثقافية الوافدة، مما أثر بشكل مباشر على المنظومة القيمية السائدة. هذه التحولات انعكست بشكل واضح على دور المرأة في المجتمع، فبينما ازداد انخراطها في سوق العمل، إلا أن هناك تحديات كبيرة واجهتها على مستوى الحفاظ على التوازن بين مسؤولياتها الأسرية ودورها المهني.
تؤكد المسماري أن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في التنبيه إلى هذه القضايا، وعدم الترويج لأنماط استهلاكية دخيلة تتعارض مع قيم المجتمع الليبي. وتربط ذلك بارتفاع معدلات الجريمة وتراجع الأخلاق، حيث أصبح هناك فجوة بين القيم التقليدية التي كانت سائدة، والتوجهات الحديثة التي قد لا تتناسب مع الخصوصية الثقافية للمجتمع.
من الإشكاليات التي أشارت إليها المسماري هي الدور المزدوج الذي يلعبه الإعلام بين التوعية والترفيه، فبينما يُفترض أن يكون الإعلام أداة لنشر الثقافة والوعي، أصبح في كثير من الأحيان مجرد وسيلة لملء الفراغ عبر محتوى استهلاكي يركز على الإثارة والجدل أكثر من المضمون القيمي.
هذا التوجه في الإعلام الحديث ساهم في ترسيخ مفاهيم مغلوطة حول دور المرأة، حيث يتم تصويرها إما في صورة نمطية تعكس الدور التقليدي فقط، أو في صورة حداثية منفصلة تمامًا عن سياقها الاجتماعي والثقافي. وهنا تأتي أهمية دور الإعلام المسؤول الذي يهدف إلى تقديم محتوى متوازن يعكس حقيقة الواقع، ويقدم حلولًا عملية تعزز من مكانة المرأة دون الإخلال بمنظومة القيم.
وفقًا لدراسات حديثة حول الإعلام وتأثيره على المرأة في العالم العربي، فإن هناك تباينًا واضحًا في الخطاب الإعلامي بين الدول المختلفة، حيث أظهرت البيانات أن:
هذه الإحصائيات تدعم رؤية المسماري بضرورة تقديم إعلام أكثر توازنًا، يراعي احتياجات المرأة، ويضعها في سياقها الحقيقي كركيزة أساسية في بناء المجتمع.
مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبحت وسائل الإعلام تمتلك نفوذًا غير مسبوق في توجيه الرأي العام، مما يفرض عليها مسؤوليات أكبر تجاه المجتمع. ومن هنا، فإن مستقبل الإعلام في ليبيا ينبغي أن يعتمد على رؤية واضحة تهدف إلى خلق توازن بين المحتوى التوعوي والترفيهي، وبين الحرية الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية.
تدعو المسماري إلى ضرورة أن يكون هناك خطاب إعلامي أكثر وعيًا يبتعد عن الإثارة والتضليل، ويقدم المرأة كعنصر فاعل وليس كعنصر تابع. كما تشدد على أهمية بناء استراتيجية إعلامية وطنية تعزز القيم الأخلاقية، وتحافظ على الهوية الثقافية، دون إقصاء للمرأة أو تحجيم لدورها.
المرأة ليست مجرد نصف المجتمع عدديًا، بل هي المحرك الأساسي لمنظومة القيم، ولهذا فإن الخطاب الإعلامي الموجه لها يجب أن يكون متوازنًا، بعيدًا عن الترويج لصورة نمطية أو أفكار دخيلة لا تعكس واقعها الحقيقي. الإعلام ليس مجرد أداة ترفيه، بل هو سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون أداة للبناء والتنوير، أو وسيلة للهدم والتضليل. وهنا تكمن أهمية دوره في رفع وعي المرأة، ليس فقط بحقوقها، بل أيضًا بمسؤولياتها في بناء مجتمع أكثر تماسكًا ووعيًا.