ليبيا الان

الفدرالية المُحسَّنة في ليبيا.. حلٌ أم بداية لصراع جديد؟

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

وسط صخب النقاشات السياسية التي لا تهدأ، تبرز قضية شكل الدولة الليبية كنقطة مفصلية في إعادة رسم معالم المستقبل. منذ 2011، ظلت ليبيا تعاني من صراع الهويات السياسية والإدارية، حيث تشابكت المسارات بين دعاة المركزية والمطالبين بالفدرالية، وبين من يرى الحل في العودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة ومن يفضل نموذج المحافظات.

خالد الترجمان، رئيس مجموعة العمل الوطني للدراسات الاستراتيجية، يدخل على خط النقاش ليطرح رؤيته، رافضًا العودة إلى فكرة “الأقاليم الثلاثة بثلاثة برلمانات مستقلة”، لكنه في الوقت ذاته يرى ضرورة القضاء على المركزية الطاغية التي جعلت طرابلس تتحكم في مفاصل الدولة، تاركة بقية المناطق رهينة قراراتها. فهل يمكن تحقيق هذا التوازن الصعب بين وحدة البلاد وحقوق الأقاليم في إدارة ثرواتها؟

لطالما كان مفهوم المركزية هو المحرك الأساسي للحكم في ليبيا، من الملكية مرورًا بعهد القذافي وصولًا إلى الحكومات المتعاقبة بعد 2011. لكن هذه المركزية لم تكن مجرد تنظيم إداري، بل تحولت إلى سيطرة مطلقة لطرابلس على الثروات والقرارات السياسية، مما خلق حالة من التوتر بين مختلف المناطق.

يرى الترجمان أن هذا النموذج لم يعد صالحًا للاستمرار، خاصة أن ليبيا بلد شاسع المساحة، ومدنها متباعدة، مما يجعل من غير المنطقي أن تدار جميع الشؤون من العاصمة وحدها. وهنا يطرح الرجل نموذجًا جديدًا يقوم على “الفدرالية المحسَّنة”، حيث تظل ليبيا موحدة تحت حكومة مركزية واحدة، لكن بآلية توزيع إداري جديد يمنح الأقاليم صلاحيات أوسع دون أن يصل الأمر إلى حد الاستقلالية التشريعية والتنفيذية كما في الأنظمة الفدرالية الكلاسيكية.

الحديث عن العودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة (برقة، طرابلس، فزان) ليس جديدًا، بل هو مقترح يظهر كلما اشتدت الأزمات السياسية. آخر من طرحه كان موسى الكوني، عضو المجلس الرئاسي، الذي يرى أن تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم لكل منها برلمان مستقل هو الحل الأمثل لضمان تمثيل عادل لكل منطقة.

لكن الترجمان يحذر من أن هذا النظام قد يفتح الباب أمام انقسامات أكثر حدة، إذ إن التوزيع الثلاثي قد يبدو عادلًا على الورق، لكنه عمليًا قد يثير صراعات داخلية بين المدن الكبرى والصغرى داخل كل إقليم، مما يعيد إنتاج المركزية ولكن بشكل مصغر داخل كل إقليم. وهنا يأتي اقتراح بديل: نظام المحافظات، المستلهم من العهد الملكي، والذي يمنح المدن حرية إدارة شؤونها مع الاحتفاظ بوحدة القرار السيادي للدولة.

ليس سرًا أن الصراع الحقيقي في ليبيا لم يكن يومًا حول “الأسماء” أو “المسميات”، بل حول “النفط والثروات”. الترجمان يشدد على أن أي نظام إداري جديد يجب أن يراعي توزيعًا عادلًا للثروة، بحيث لا تبقى طرابلس هي المتحكم الوحيد في الاقتصاد، مما يخلق إحباطًا في بقية المناطق.

لكن كيف يمكن تحقيق هذا التوزيع العادل؟ الترجمان يقترح نموذجًا يعتمد على آلية واضحة تستند إلى معايير مثل عدد السكان والمساحة، بحيث تحصل كل محافظة أو إقليم على حصتها بناءً على معطيات موضوعية، وليس وفق أهواء الساسة أو المجموعات المسيطرة على الأرض.

إذا كان هناك نقطة توافق بين معظم الأطراف، فهي ضرورة وجود برلمان يمثل جميع الليبيين بشكل عادل. وهنا يقترح الترجمان حلاً وسطًا بين النظام المركزي والنظام الفدرالي: برلمان واحد بغرفتَين، بحيث تكون إحدى الغرف في بنغازي والأخرى في سبها، بينما تظل الحكومة المركزية في طرابلس.

بهذا الشكل، يتحقق قدر من التوازن بين المناطق، حيث لن تشعر أي جهة بالتهميش، وسيكون للجنوب والشرق دور واضح في صناعة القرار، بدلًا من تركيز السلطة التشريعية والتنفيذية بالكامل في العاصمة.

المشكلة التي تواجه أي مقترح إداري جديد في ليبيا ليست في الأفكار ذاتها، بل في القدرة على تنفيذها وسط مشهد سياسي مضطرب. يرى الترجمان أن تطبيق هذه الرؤية يحتاج إلى قيادة سياسية قوية تمتلك القدرة على فرض القرارات وإقناع مختلف الأطراف بأن هذا النموذج هو الأفضل لمستقبل ليبيا.

لكن حتى مع وجود قيادة قوية، يظل التحدي الأكبر هو القبول المجتمعي. فهل سيرى الليبيون في هذا النموذج حلاً لمشاكلهم، أم أنه مجرد إعادة ترتيب للعبة السياسية بنفس اللاعبين؟

ما بين دعوات الفدرالية، ومحاولات تكريس المركزية، والبحث عن حلول وسط مثل نظام المحافظات، يبقى مصير ليبيا معلقًا بيد أبنائها. هل سيكون هناك توافق على نموذج جديد يعيد التوازن بين الأقاليم والمدن، أم أن الصراع حول السلطة والثروة سيظل العائق الأكبر أمام أي إصلاح حقيقي؟

ما هو مؤكد أن ليبيا تحتاج إلى تغيير، لكن السؤال الأهم: أي تغيير سيُكتب له النجاح، وأي تغيير سيقود إلى مزيد من الفوضى؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24