رمضان في ليبيا.. موسم الخير والتآخي بين أبناء الوطن
مع حلول شهر رمضان المبارك، تتحول شوارع ليبيا، كما في كل عام، إلى ساحة كبرى للعطاء والتكافل، حيث تمتزج روحانية الشهر الكريم بفيض من الأيادي البيضاء الممتدة نحو المحتاجين. فالطبيعة الاجتماعية للمجتمع الليبي لطالما ارتبطت بروح الجماعة، ويظل شهر الصيام مناسبة تتجلى فيها هذه القيم بأسمى صورها.
في مدينة طبرق يتجسد هذا المشهد الإنساني عبر مبادرات فريق “إيه” للعمل الخيري والتطوعي، الذي يبذل جهودًا ميدانية حثيثة للوصول إلى العائلات المحتاجة، ساعيًا إلى تأمين المستلزمات الضرورية لها خلال الشهر الفضيل.
قبل أن يُعلن الهلال عن بداية شهر رمضان، كان فريق “إيه” قد أطلق حملة واسعة لحصر الأسر المحتاجة، حيث جابت الفرق الميدانية أحياء طبرق المختلفة، وجمعت بيانات دقيقة حول أوضاع العائلات التي تعاني من ضيق ذات اليد. هذا التخطيط المسبق كان عاملًا رئيسيًا في تحقيق توزيع عادل وفعال للمساعدات.
“بدأنا العمل قبل رمضان بأسابيع، حيث قمنا بزيارات ميدانية لتحديد أكثر الأسر احتياجًا، وعملنا على فرز الحالات بدقة”، بهذه الكلمات توضح سكينة موسى حسين، رئيسة الفريق، الأساس الذي بُنيت عليه حملتهم الإنسانية.
مع انطلاق الشهر الفضيل، شرع الفريق في توزيع السلال الغذائية، التي لم تكن مجرد صناديق تمتلئ بالمواد الأساسية، بل كانت بمثابة شعلة أمل أُضيئت في منازل كثيرة كانت تخشى أن يحل رمضان عليها دون قوت يكفيها.
“السلال تضم جميع المستلزمات الأساسية التي تحتاجها العائلة، من الحبوب والزيوت إلى السكر والدقيق، مرورًا بالتوابل التي تُضفي على الأطباق نكهة رمضان المعتادة”، تضيف سكينة، مؤكدة أن الفريق لم يكتفِ بهذه المرحلة، بل يعمل على التحضير لمجموعة جديدة من المساعدات.
العمل الخيري في رمضان يأخذ زخمًا غير مسبوق، إلا أن سكينة تؤكد أن هذه الجهود لا يجب أن تكون مرتبطة فقط بهذا الشهر، مشيرة إلى أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الكثير من العائلات تجعل الحاجة إلى الدعم مستمرة طوال العام.
“نحاول أن نقدم المساعدة بطرق تحفظ كرامة المستفيدين، ونؤمن أن العطاء لا يجب أن يتوقف بانتهاء رمضان، فهناك أسر تعاني على مدار العام، ويجب أن يستمر التكافل الاجتماعي لدعمها”.
إلى جانب دوره في تعزيز الروحانيات، يشكل رمضان في ليبيا مناسبة لترميم العلاقات الاجتماعية، حيث تكثر الزيارات العائلية، وتجتمع الأسر حول موائد الإفطار، في لحظات تعيد لُحمة المجتمع التي قد تفرقها ضغوط الحياة اليومية.
“رمضان ليس فقط شهر الصيام والعبادة، بل هو شهر التسامح والتقارب، حيث يبادر الكثيرون إلى إعادة المياه إلى مجاريها مع أقاربهم وأصدقائهم”، تضيف سكينة، متحدثة عن الأجواء الاجتماعية التي تميز هذا الشهر في بلادها.
لم يكن فريق “إيه” وحده في هذا المشوار الإنساني، فقد شهدت ليبيا هذا العام تكاتفًا بين العديد من الفرق الخيرية والمنظمات المدنية، التي وحدت جهودها لضمان وصول المساعدات إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين.
“شهدنا تعاونًا رائعًا بين الفرق الخيرية هذا العام، حيث تمكنا معًا من تنظيم حملات شاملة، كان هدفها الأسمى هو إيصال الخير لمن يحتاجه”، تختم رئيسة الفريق حديثها، مؤكدة أن الأمل في استمرارية هذه الجهود قائم، ما دام هناك من يؤمن بأهمية العطاء.
بهذه المبادرات، يثبت فريق “إيه” وغيره من الفرق التطوعية أن رمضان ليس مجرد شهر تُؤدى فيه الفريضة، بل هو فرصة لغرس القيم الإنسانية في نفوس الجميع، حيث يصبح العطاء هو الصيام الحقيقي، والتكافل هو الصورة الأجمل لهذا الشهر المبارك.