راجت ونشطت تجارة المخدرات في ليبيا في الأعوام الأخيرة بصورة ملاحظة ومتزايدة، وتدفقت على البلاد خلالها أصناف غريبة وغير مسبوقة من المواد المخدرة بأنواعها كافة، نتيجة للهشاشة الأمنية خصوصاً في المعابر الحدودية البرية والبحرية.
نوع جديد من هذه المواد ضبط في عملية أمنية بمدينة بنغازي، وكانت عبارة عن حبوب مخدرة من نوع “الكبتاغون” كان يمكن اعتبارها عملية عادية تشبه مئات القضايا المماثلة التي ضبطت في السنوات الماضية في أنحاء متفرقة من ليبيا، إلا أن هذه الحبوب المخدرة كانت تحمل صورة للرئيس السابق معمر القذافي على ظهر كل حبة منها.
هذه الصورة التي نقشت على حبوب “الكبتاغون” المصادرة منحت القضية أبعاداً أخرى واهتماماً أكبر، وفتحت الباب أمام أسئلة عن مصدرها وتأثيرها والغاية من إدخالها إلى البلاد.
صنف جديد
وبحسب “جهاز المباحث الجنائية” في بنغازي، الذي ضبط هذه الحبوب وكشف عن نوعها وتركيبتها داخل معامله الجنائية، فإن الكمية المصادرة لم تكن كبيرة، لأن هذا الصنف يمكن اعتباره جديداً على السوق المحلية، وإن كان رائجاً بكثرة في دول الجوار خلال الأعوام الماضية.
وفور ضبط هذه الحبوب المخدرة شكلت لجنة من الخبراء الجنائيين بجهاز المباحث الجنائية في بنغازي لتحليها وتحديد نوعها ونسبة خطورتها، وخلصت اللجنة في حديث أعضائها لـ”اندبندنت عربية”، من دون الكشف عن هويتهم لدواع أمنية، إلى أن “هذه الحبة المخدرة التي تحمل صورة القذافي بعد خضوعها للاختبارات الأولية والتأكيدية تندرج تحت أنواع مخدر الكبتاغون الشهيرة، وتحمل الاسم العلمي (MDMA)، وتسمى في بعض الدول العربية بـ’الشبو‘ وأسماء أخرى”.
وأكدت اللجنة أن “هذه المادة المخدرة ليست واسعة الانتشار في ليبيا، لكنها معروفة عالمياً منذ سنوات، ويرجح أن يكون مصدر تصنيعها في سوريا، وربما تكون دخلت ليبيا قبل فترة من الزمن قبل اكتشافها أخيراً”.
مواد شديدة الخطورة
كما شددت اللجنة على أن “هذه المادة المخدرة شديدة الخطورة، فمخدر الكبتاغون عموماً يعتبر من مشتقات الـ’امفيتامين‘، وهي مادة كيماوية منشطة تزيد في تركيز وحركة متعاطيها، ويستمر مفعولها داخل الجسم لفترة تتراوح ما بين 24 و48 ساعة”.
ونوهت اللجنة إلى أن “الخطر الأكبر في تعاطي هذه المادة يكمن في أعراضها الانسحابية عند الكف عن تعاطيها، التي تتمثل في زيادة نبضات القلب وحدوث تشنجات وحالات هذيان، مما يجعل إدمانها شديداً وخروجها من الجسم صعباً، وشبهت أعراضها الانسحابية بتلك التي تتسبب بها مادة الكوكايين”.
غموض صورة القذافي
في المقابل، رفض خبراء ومحققون تابعون لجهاز المباحث الجنائية في بنغازي التعليق على وجود صورة القذافي على حبوب الكبتاغون المخدرة المضبوطة، لأن طبيعة عملهم الأمني فنية بحتة، بينما يتطلب التحقيق في خلفيات استخدام هذه الصورة تدخل أجهزة أمن الدولة المختصة، بينما لم تعلق أية جهة رسمية أخرى عن مصدر هذه الحبوب ووجهتها.
من جهته، اعتبر الصحافي الليبي سراج الفيتوري أن “تكرر دخول شحنات مخدرات متنوعة تحمل صور زعماء وقادة محليين ودوليين إلى البلاد مثل القذافي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمناضل اليساري تشي غيفارا بات ظاهرة مريبة، وتحتاج إلى التحقيق والدراسة والبحث عن أغراض استخدام هذه الصور وربطها بشحنات مخدرات ضخمة، ودلالات هذا الأمر وغاياته المبهمة جداً”. وأضاف “بالتأكيد من وضع صورة هؤلاء القادة والمشاهير على شحنات المخدرات الضخمة وأدخلها بعد ذلك إلى ليبيا لم يقدم على هذا العمل عبثاً، بل لغاية وهدف يحتاج إلى عمل استخباري وأمني منظم ومدروس من السلطات الليبية لكشفه، لأنه في النهاية الأمر يرتبط بإغراق ليبيا بأنواع مخدرة غريبة، مما يشكل خطراً لا يخفى على أمنها القومي، فيجب بالتالي عدم تصنيف هذه الشحنات في سياق الجرائم الجنائية، بل باعتبارها قضايا أمن قومي بحتة”.
شحنة بوتين
وهذه ليست المرة الأولى التي تضبط فيها السلطات الليبية في شرق البلاد تحديداً شحنات مخدرات تحمل صوراً لزعماء دول، وأشهر هذه القضايا كشف عنها في فبراير (شباط) 2022، عندما صودرت 323 رزمة من مخدر الحشيش تحمل صور بوتين في مدينة المرج على بعد 100 كيلومتر شرق بنغازي. لم تنجح السلطات الليبية وقتها في الكشف عن ملابسات هذه القضية، لأن الشحنة التي تمت مصادرتها وجدت على شاطئ البحر، من دون أن يضبط أي فرد من العصابة التي كانت تحاول إدخالها إلى البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مركز لتجارة دولية
وفي السنوات الأخيرة، تعالت أصوات المحذرين داخل ليبيا وخارجها من أن تصبح البلاد موطناً لصناعة المخدرات ومركزاً لتوزيعها في أفريقيا، على غرار ما أصبحت في ملفي الهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح، خصوصاً في ظل تواصل الانقسامات بين مؤسسات الدولة وتوفر الظروف لعصابات التهريب للترويج لتجارتهم، نظراً إلى ضعف القبضة الأمنية وانتشار السلاح، والموقع الملائم لتحويل ليبيا لنقطة عبور لتجارة المخدرات الدولية.
ونجحت قوات الأمن في ضبط أطنان من المواد المخدرة في السنوات الأخيرة، بعدما حاولت عصابات إدخالها عن طريق البحر والبر لترويجها داخل البلاد أو نقلها إلى دول أخرى بالقارة السمراء، إلا أن ما لم يجر ضبطه يرجح أن يكون أكبر بكثير من الكميات المصادرة، وبالنظر إلى عدد سكان ليبيا فإن الشحنات الكبيرة التي ضبطت تفوق وحدها بكثير الطلب على المخدرات في السوق المحلية.
وفي آخر قضية من هذا النوع أحبطت السلطات الأمنية في مدينة سبها جنوب غربي البلاد بداية الأسبوع الجاري محاولة تهريب كمية ضخمة من المواد المخدرة، بعد ضبط شاحنة محملة بنحو 50 كيلوغراماً من مادة “الكوكايين”، إضافة إلى 418 ألف قرص من مخدر “الترامادول”، مخبأة بإحكام داخل هيكل المقطورة الرئيسة بالشاحنة.
تنامي التجارة المحرمة
ويرى أستاذ القانون الجنائي عبدالحميد بن صريتي أن “كل الظروف تجعل ليبيا حالياً أرضاً خصبة لتجارة المخدرات مذ عمتها الفوضى الأمنية بعد عام 2011 وأصبحت قبلة للعصابات، وحتى التيارات المتطرفة استخدمت تجارة المخدرات للتمويل في سنوات مضت، واستمرار هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية يسهم في توطين هذه التجارة، فتصبح ليبيا مركزاً لتوزيع المخدرات على الدول الأفريقية، مع تنامي شبكات تهريب المخدرات الإقليمية، ووجود فكرة لدى عصابات التهريب بأن تكون ليبيا مركزاً لتوزيع المخدرات، كما أصبحت في الهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح”. ويعتقد بن صريتي أنه “لا يمكن حالياً تحجيم تحركات هذه المنظمات الإجرامية العابرة للحدود إلا باستقرار مؤسساتي، خصوصاً على مستوى المؤسستين الأمنية والعسكرية، وإلا ستظل ليبيا هدفاً لمروجي المخدرات، الذين يسعون لتحويلها إلى دولة مقر أو عبور سواء نحو دول الجنوب أم أوروبا عبر البحر المتوسط، فسواحلها لم تعد منطلقاً لقوافل الهجرة إلى الضفة الأخرى من المتوسط فحسب، وإنما صارت منفذاً رئيساً لتهريب المخدرات بأنواعها، ومن بينها الكوكايين، انطلاقاً من المغرب أو منطقة الساحل، وهي القضية التي باتت تشكل تحدياً أمام جميع دول غرب القارة وشمالها”.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا