تشهد ليبيا في الأسابيع الأخيرة حراكاً متسارعاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، يتجسد في زيارات متكررة لمدن الشرق الليبي، وعلى رأسها بنغازي، مقابل فتور شبه كامل في التعامل مع حكومة الدبيبة في العاصمة طرابلس. هذه التحركات لم تمر مرور الكرام، خصوصاً بعد أن بات واضحاً أن تركيا،التي كانت الحليف العسكري والأمني الأبرز لغرب البلاد، بدأت تنفتح رسمياً على شرق ليبيا في إطار مقاربة أوسع تتعلق بتسوياتها الكبرى مع دول المنطقة.
تركيا.. من الدعم الحصري لغرب ليبيا إلى الانفتاح على الشرق
لطالما مثلت أنقرة الغطاء الأمني الأهم لحكومة طرابلس، ودعمتها سياسياً وعسكرياً في مراحل مفصلية. غير أن استقبال الفريق أول ركن صدام حفتر – النائب الجديد للقائد العام – على متن البارجة “جزيرة الحنة” في بنغازي، والتصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع التركية بهذا الخصوص، يعكس تحوّلاً لافتاً في بوصلة العلاقات. فتركيا لم تعد تكتفي بدورها التقليدي في غرب ليبيا، بل تسعى لخلق قنوات تواصل مباشرة مع القيادة العامة في الشرق، بما يتجاوز منطق الصدفة إلى كونه جزءاً من سياق استراتيجي أوسع.
السلطة في طرابلس.. انتهاء الدور وفقدان الشرعية
يرى المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي في تصريحات رصدها ليبيا 24 أن تجاهل سلطة الأمر الواقع في طرابلس خلال مجمل الزيارات الدولية الأخيرة ليس إلا مؤشراً صريحاً على انتهاء دورها وفقدانها لأي شرعية حقيقية. فبعد فشل محاولات بسط السيطرة بالقوة على العاصمة، وتراجع الزخم الشعبي نتيجة الأحداث الدامية التي خلفت الغضب والخوف بين المدنيين، أصبحت هذه السلطة مجرد واجهة مؤقتة بانتظار صياغة مشهد جديد للمرحلة المقبلة.
رصاصة الرحمة.. من اللجنة الاستشارية إلى هانا تيتيه
إعلان نتائج اللجنة الاستشارية من قبل البعثة الأممية لم يكن خطوة نحو مشروع تغيير بملكية ليبية صِرفة كما رُوّج، بل جاء – بحسب البيوضي – بمثابة “رصاصة الرحمة” على السلطة الحالية التي انتهت مدتها وفق تصريح مبعوثة الأمم المتحدة هانا تيتيه. ومنذ ذلك الإعلان، بدأت القوى الدولية والإقليمية بالتحرك المكثف لإيجاد صيغة توافقية تضمن مصالحها عند إعادة توحيد السلطة التنفيذية.
مشهد يعاد تشكيله خلف الأبواب المغلقة
كل المؤشرات الراهنة تؤكد أن ليبيا مقبلة على مرحلة جديدة من إعادة الصياغة السياسية، تتم بتوافق إقليمي ودولي . في هذا السياق، فإن انفتاح تركيا على الشرق ليس سوى جزء من لوحة أكبر، حيث تتزاحم دول مؤثرة على الملف الليبي لإيجاد موطئ قدم في المعادلة المقبلة. الزيارات المتتالية، وتغييرات المناصب العليا في القيادة العامة، ورسائل التهنئة من الدول الحليفة كلها تعكس هذه الحقيقة.
اذا لم يعد المشهد الليبي كما كان قبل أشهر، فالتحالفات يعاد رسمها، وحكومة الدبيبة فقدت الاعتراف والزخم الشعبي، بينما تتحرك القوى الإقليمية والدولية بخطوات محسوبة نحو تسوية شاملة. تركيا، التي كانت لعقود تُحسب حصرياً على معسكر الغرب، فتحت أبواب بنغازي سياسياً وأمنياً، لتؤكد أن القادم سيكون مختلفاً، وأن ليبيا أمام مشهد جديد يُصاغ الآن خلف الأبواب المغلقة.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا