تتصاعد في ليبيا موجة من الغضب العارم والاستنكار الواسع، جراء ما يُوصف بـ”تقصير حكومة الدبيبة منتهية الولاية الممنهج” في حق مرضى ضمور العضلات الشوكي (SMA)، خاصة الأطفال منهم، الذين تقطّعت بهم السبل وهم يشاهدون شمع الحياة ينطفئ في عيون أبنائهم بينما العلاج متاح، لكن الإرادة السياسية غائبة.
أطفال في مواجهة الموت والإهمال
أضحت صور الطفلة “إيلاف” من مدينة مصراتة، وهي ترفع لافتات الاستغاثة أمام ديوان رئاسة الوزراء في طرابلس ومكتب النائب العام، رمزاً للمعاناة الإنسانية الصامتة التي يعيشها عشرات الأسر الليبية. إيلاف، التي لم تتجاوز بضع سنوات، تحمل همّاً أكبر من عمرها، هو مرض ضمور العضلات الشوكي، مرض جيني قاسٍ يسلب ضحاياه قدرتهم على الحركة ويودي بحياتهم في النهاية إذا لم يتلقوا العلاج الفوري.
لم تكن إيلاف حالة منعزلة، بل انضمت إليها الطفلة “وتين عادل أبوحليقة” (عمرها سنة واحدة) من مدينة زليتن، في رحلة اليأس ذاتها. كلتاهما، وغيرهما من 29 طفلاً، بحاجة ماسة إلى حقنة “زولجنسما” الجينية، وهي علاج فاعل لكنه باهظ الثمن، متوفر في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنه يظل حلماً بعيد المنال بسبب عجز رسمي مزعوم عن توفير التمويل والإيفاد للخارج.
صوت البراءة يطرق أبواب المسؤولين.. فمن يجيب؟
تقارير منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها رابطة مرضى ضمور العضلات، تصف معاناة هؤلاء الأطفال بأنها “صراع مع الزمن”. فكل يوم يمر دون علاج يقربهم خطوة من مصير محتوم. المبادرات والوقفات الاحتجاجية التي ينظمها الأهالي لم تنجح حتى الآن في كسر حاجز الصمت الرسمي، أو انتزاع قرار حاسم ينقذ ما يمكن إنقاذه.
وتوجه الرابطة اتهامات مباشرة إلى “جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية” بكونه “المسؤول الأول” عن تعطيل ملف إيفاد الأطفال الـ29 لتلقي العلاج، على الرغم من التأكيدات الرسمية السابقة بجاهزية ملفاتهم الطبية. وتطالب الجهاز بالخروج أمام الرأي العام للإفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التأخير الذي يهدد حياة مرضى.
اتهامات بالفساد وتزوير الواقع
لم تكتفِ الرسائل الغاضبة من الأهالي والنشطاء بانتقاد التقصير في ملف العلاج فحسب، بل وسعت نطاق اتهاماتها ليشمل مؤسسات الرعاية الاجتماعية بأكملها. ووجهت اتهامات قوية لوزارة الشؤون الاجتماعية و”الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي” بـ”تزوير الحقائق” و”العيش في حالة انفصال تام عن معاناة المواطن”.
وانفجر الغضب بشكل خاص بعد تصريحات مسؤولين وصفوا فيها أوضاع ذوي الإعاقة بأنها “مريحة” وبأن الحكومة “داعمة لهم”. وردّت العائلات على هذه التصريحات بسرد واقع مرير، يشمل تجميد “الإعانة المنزلية” لأكثر من سبع سنوات متتالية، وتردي قيمة المعاش الأساسي الذي لا يتجاوز 650 ديناراً ليبيًا في ظل ظروف غلاء معيشي خانق، وغياب أبسط مقومات الحياة الكريمة كتوفير الكراسي المتحركة وتهيئة البيوت والمرافق العامة.
ثروة البلاد.. أين تذهب؟
ألقى المحتجون بالضوء على مفارقة صارخة، تتمثل في وجود ثروة نفطية هائلة، بينما تعجز الدولة عن توفير الرعاية الأساسية لأكثر فئات المجتمع ضعفاً. واستشهدوا بنفقات تُصرف على ما وصفوها بـ”الكماليات” بينما تُحجب أموال الإعانة المنزلية عن آلاف الأسر المحتاجة لسنوات.
نداء إنساني أخير
في خضم هذه الأجواء المشحونة، يوجه نشطاء وأهالي مرضى ضمور العضلات الشوكي نداءً إنسانياً عاجلاً إلى النائب العام المستشار الصديق الصور، وإلى كل من “يملك ذرة ضمير” في السلطة، للتحرك العاجل قبل فوات الأوان. إنهم لا يطالبون، كما يقولون، بـ”المستحيل”، بل يطالبون بـ”حق طبيعي وكفله الدستور والقانون” في الحياة والعلاج والكرامة.
السؤال الذي يتردد الآن في ليبيا: هل سيكون لصوت البراءة، وصوت الألم، وصوت الغضب المكبوت لدى هذه الأسر، أذن صاغية قبل أن يُغلق الموت مبكراً صفحات قصص أطفال لم يعرفوا من الحياة سوى المعاناة؟
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا