أكد اللواء ركن د. بشير الصفصاف، الخبير في شؤون الدفاع والأمن القومي، أن المشهد الليبي الراهن يمثل ذروة التدخلات الدولية التي دفعت البلاد إلى حالة من الانقسام والفوضى”.
وقال الصفصاف؛ في تصريحات تلفزيونية لقناة الوسط، إنه يجب الحذر “من تصعيد عسكري جديد قد تكون عواقبه وخيمة في ظل التوترات المتصاعدة وتحليق الطيران الحربي فوق مناطق وسط ليبيا، لا سيما في سرت والشويرف”.
وأوضح أن “التحركات العسكرية الحالية وتحليق الطيران ليست مفاجئة، بل هي نتيجة طبيعية لما تم زرعه من تدخلات خارجية”، معتبرًا أن “ليبيا دخلت فعليًا في مرحلة إنهاك سيادتها الوطنية، بفعل تدويل الأزمة وتفاقمها من خلال صراع النفوذ بين الدول الكبرى، والإقليمية، ولكل منها أجندتها الخاصة”.
وأضاف الصفصاف أن “الأوضاع الحالية تشير إلى احتمالية اندلاع مواجهات عنيفة”، مرجحًا أن “تكون التحركات الجوية الجارية مقدمة لتصعيد أكبر، معبّرًا عن أسفه لغياب موقف رسمي واضح من السلطات الليبية تجاه هذه التطورات”.
عند الحديث عن جذور الأزمة، انتقد الصفصاف بشدة الطريقة التي تم بها تدويل الملف الليبي، خاصة منذ قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة في عام 2011. وشرح أن “القرار 1973، الذي استند إلى حماية المدنيين، فُسّر بشكل انتقائي ولم يتم تفعيل الفصل السابع بشكل كامل، مما جعل ليبيا خاضعة لوصاية دولية غير معلنة تمارسها قوى دولية عبر البعثات الأممية والمنظمات، أو من خلال دعم مباشر لأطراف محلية”.
وأضاف أن “التحول من مرحلة “الرعاية” الدولية إلى “الوصاية” تم بشكل تدريجي حتى بات القرار الوطني الليبي شبه مغيّب، وهو ما يعكس فقدان ليبيا لاستقلالية قرارها”.
وفي إطار نقده، حذر الصفصاف مما أسماه “الفوضى الخلاقة التي صممتها القوى الغربية”، والتي لم تساهم سوى في تفكيك مؤسسات الدولة الليبية وضرب بنيتها الأمنية والاجتماعية.
كما وصف هذه الفوضى بأنها كانت “خلاقة” للدول المتدخلة لكنها كانت مدمرة لليبيا وشعبها، مؤكدًا أن “الاقتتال والانقسام الناتج داخليًا هو ثمرة تدخلات خارجية مستمرة، حيث اتهم دولًا بعيدة جغرافيًا تتدخل بشكل سافر في الشأن الليبي، وتغيّر حكومات وتعيد تشكيل تحالفات بناءً على مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية”.
في ضوء هذه التداعيات، وجه الصفصاف نداءً صريحًا لكافة القوى الوطنية الليبية لتجاوز خلافاتها والوقوف صفًا واحدًا في وجه التدخلات الأجنبية التي تعمق الأزمة وتعيق بناء الدولة. وقال: “لن تخرج ليبيا من أزمتها ما لم يستعد الليبيون قرارهم الوطني ويرفضوا الاستمرار في هذه الوصاية غير المعلنة بتوحيد الصف الداخلي أمام هذا الانهيار المتسارع”.
وبيّن الصفصاف وجود مفارقة عميقة بين المشروعية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية في الغرب، والتي حظيت باعتراف دولي، والمشروعية الأمنية والعسكرية في الشرق التي تمثلت في وجود قوات مسلحة عربية ليبية معترف بها عالميًا، ما يخلق مشهداً مزدوجاً من الشرعيتين المتنافرتين.
وأوضح أنه “رغم المشروعية السياسية في الغرب، فإن السيطرة على المشهد هناك تعاني من تحديات جمة بسبب وجود مجموعات مسلحة متعددة تحولت من تشكيلات اجتماعية إلى كيانات ذات أبعاد اقتصادية وسياسية، وهو ما أثر بشكل كبير على الاستقرار السياسي والاقتصادي”.
وأبرز الصفصاف أهمية دمج هذه المجموعات المسلحة في مؤسسات الدولة كشرط لاستمرار المشروعية السياسية، مستشهدًا بالورقة البيضاء التي قدمتها البعثة الأممية عام 2012، والتي تناولت تجربة دمج المقاتلين في منطقة الجبل الغربي، حيث أظهرت الاستبيانات أن 90% من المقاتلين وافقوا على ترك السلاح، فيما رفض 10% ذلك، مع تصنيف دقيق بناءً على عوامل عمرية واجتماعية وتعليمية.
ورغم هذا، أشار إلى أن “ليبيا لم تشهد سياسات واضحة وفعالة لتطبيق هذه الرؤية سواء عبر الدمج المباشر، أو عبر مشاريع التنمية الشاملة، كما حدث في دول أخرى مثل أفغانستان، مستذكرًا تصريحات الأخضر الإبراهيمي عام 2003 التي ركزت على أهمية الدمج ضمن مشروعات تنموية”.
كما كشف الصفصاف أن “القوات المسلحة الليبية تعرضت لعمليات تفكيك واسعة، حيث تم تدمير 75 إلى 80% من قدراتها وموجوداتها، مما جعل ما تبقى منها تحت تأثير ضغوط داخلية وخارجية، لا سيما من المجموعات المسلحة والثوار”.
ولفت إلى أن “وجود فيتو دولي وبعض الإيديولوجيات التي تعارض وجود قوات مسلحة وطنية فاعلة، أدى إلى تعطيل بناء قوة عسكرية وطنية قوية ومستقلة، وهو ما أثر سلبًا على استقرار البلاد وأمنها”.
وفي ختام تحليله، أكد أن “نجاح المسار السياسي مرتبط بشكل وثيق بإنهاء حالة التعددية المسلحة ووضع سياسات شاملة تضمن دمج كافة الأطراف في إطار الدولة، مما يمكن ليبيا من تجاوز تحدياتها الأمنية والسياسية والانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية”.