أكد الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي، إبراهيم السنوسي، أن تطبيق نظام التسجيل المسبق للشحنات يعد من الإصلاحات الضرورية التي يقودها مصرف ليبيا المركزي، بالتعاون مع عدد من الجهات، أبرزها وزارة المالية، ومصلحة الجمارك.
وقال السنوسي، في مقابلة مع قناة “سلام” إن النظام الجديد يهدف إلى تعزيز الرقابة على حركة الشحنات والبضائع والسلع الواردة إلى ليبيا، بما يضمن الامتثال الكامل للقوانين الجمركية والتجارية المعمول بها، مضيفًا أن هذا الإجراء سيكون له دور محوري في الحد من التهرب الضريبي ومكافحة التلاعب بالفواتير.
وأشار إلى أن النظام يساهم أيضًا في مراقبة السلع عالية الخطورة التي تُورَّد إلى البلاد، ويعمل على تقليص تهريب العملة الصعبة عبر الاعتمادات المستندية المزورة أو المفبركة، والتي كانت تستغل سابقًا في تمرير شحنات وهمية، مثل الحاويات الفارغة أو حتى شحنات من “حجر الظلط”، على حد تعبيره.
وبيّن السنوسي، أن هذه الخطوة تتماشى مع توصيات المنظمات الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي طالبت منذ سنوات بضرورة تطبيق هذا النوع من الأنظمة الرقابية.
ولفت إلى أن ليبيا كانت قد أعلنت في العام 2010 عن منظومة مشابهة تُعرف باسم “منظومة سبق”، لكنها لم تُفعّل طويلًا وتوقفت بعد أحداث فبراير 2011.
وأضاف أن مصلحة الجمارك الليبية ستبدأ رسميًا في إلزام التجار بالتسجيل المسبق اعتبارًا من نوفمبر المقبل، مؤكدًا أن النظام الجديد يوفر آلية تتبع دقيقة للشحنات، تبدأ من ميناء التصدير في بلد المنشأ وصولًا إلى الموانئ الليبية.
وعلى الرغم من بعض الاعتراضات التي أبداها عدد من التجار تجاه النظام، شدد السنوسي على أن هذه الإصلاحات تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الحد من الفساد المستشري في قطاع التجارة الخارجية، داعيًا إلى تكامل الجهود بين مختلف الجهات المعنية لضمان إنجاح هذه المبادرة.
وفي سياق حديثه، ثمّن السنوسي الدور الذي بدأ يلعبه مصرف ليبيا المركزي في هذا الجانب، مؤكدًا أن التأخر في تنفيذ هذه الإجراءات لا يلغي ضرورتها، وأن البدء في تفعيلها الآن “خير من ألا تُفعّل أبدًا”.
وتابع السنوسي:” نظام تتبع الشحنات المورّدة إلى ليبيا ليس فكرة جديدة، إذ تعود بداياته إلى فترة الأمين السابق للجنة الشعبية العامة للتخطيط، بالتعاون مع الجمارك آنذاك”.
وأوضح أن الفكرة كانت مطروحة سابقًا بصيغة مشابهة، إلا أن الضغط الحقيقي لتفعيل هذا النظام جاء من قبل فرج بومطاري، الذي شدد على ضرورة مراقبة تدفق السلع إلى البلاد.
وأشار السنوسي، إلى أن القطاع الخاص الحقيقي في ليبيا يلعب دورًا محوريًا في تغطية احتياجات السوق المحلي، مؤكدًا أن أغلب السلع والخدمات المطروحة حاليًا مصدرها هذا القطاع، لكنه في الوقت ذاته حذّر من وجود شريحة من “التجار الانتهازيين” الذين استغلوا فوارق أسعار العملة بين السعر الرسمي والموازي لتحقيق أرباح طائلة.
وأردف السنوسي بالقول: إن بعض التجار حققوا مئات الملايين من الدنانير، ليس عبر تجارة السلع، بل من خلال استغلال منظومة الاعتمادات المستندية وتهريب العملة إلى الخارج ثم إعادة إدخالها بطرق غير مشروعة.
ونوه بأن هذه الممارسات أضعفت الاقتصاد المحلي وأسهمت في تعميق الفجوة بين السعر الرسمي للدينار وسعر السوق الموازي، الذي وصل في بعض الفترات إلى أكثر من ثمانية دنانير مقابل الدولار.
كما كشف السنوسي عن رصد ديوان المحاسبة عدة قضايا فساد في هذا السياق، مشيرًا إلى وجود أسماء محددة لشركات وأشخاص تورطوا في تهريب العملة دون استيراد سلع حقيقية، أو قاموا بإدخال سلع بأسعار لا تعكس القيمة الفعلية لما تم دفعه من اعتمادات مستندية.
في المقابل، أشار إلى أن الاعتراضات التي تواجه نظام التتبع تتراوح بين اعتراضات تقنية مرتبطة بعدم الإلمام باستخدام النظام، وأخرى جوهرها الرغبة في استمرار سهولة التهريب وتحقيق المكاسب السريعة من تجارة العملة.
وبين أن الفروقات السعرية ما زالت تغري البعض بتفضيل التجارة بالدولار على حساب السلع والخدمات، نظرًا لانخفاض المخاطرة وسهولة التعامل.
ودعا السنوسي إلى ضرورة الالتزام بتوصيات المنظمات الدولية بشأن تنظيم التجارة الخارجية، لافتاً إلى أن هذه التوصيات تصب في مصلحة الاستقرار الاقتصادي في ليبيا، وتقلل من إهدار النقد الأجنبي.
وأشاد السنوسي بالدور الذي يلعبه المصرف المركزي حاليًا، في الإصلاحات الواضحة، بدءًا من تنظيم الرواتب، مرورًا بمنظومة الاعتمادات، وصولًا إلى تنظيم الإنفاق على الأغراض الشخصية، مؤكدًا أن كل هذه الإجراءات تسهم في ترشيد الإنفاق العام وتضمن استدامة الاحتياطي من العملة الصعبة.
وقال إن حزمة الإصلاحات الجارية في ليبيا لن تظهر نتائجها بشكل مباشر أو سريع، مؤكدًا أن ما يتم اتخاذه حاليًا يمثل الخطوة الأولى على طريق التحول الرقمي وتنظيم الاقتصاد المحلي، موضحاً أن أبرز هذه الخطوات تفعيل رقمنة إجراءات الدفع المحلي والمرتبات، إلى جانب إطلاق نظام رقمنة توريد السلع والخدمات، والذي يعتمد على آلية الاعتماد المساند التي يُلزم فيها مصرف ليبيا المركزي المصارف التجارية بعدم فتح أي اعتماد دون تسجيل مسبق للسلع أو الخدمات المزمع توريدها.
وأكد أن هذا النظام الجديد سيمكن الجهات الرقابية من تتبع السلع المستوردة منذ شحنها من الميناء المصدر وحتى وصولها إلى الأراضي الليبية، الأمر الذي يعزز الشفافية ويحد من إهدار المال العام والتلاعب بالعملة الصعبة.
وفيما يخص نظام التسجيل المسبق، رجّح السنوسي أن يواجه صعوبات خلال مرحلة التطبيق، إلا أنه شدد على أهمية الإلزام الذي فرضه المركزي على المصارف لضمان فاعلية النظام، موضحًا أن التاجر سيكون أحد المستفيدين من هذه الآلية الجديدة، حيث سيتم تقليص فترة بقاء البضائع في الموانئ من أشهر إلى أيام أو حتى ساعات، بفضل نظام التتبع والترقيم الإلزامي المفروض على الشركات المستوردة.
مشيرا إن هذه الإجراءات تمثل بداية حقيقية لمسار الإصلاح، رغم التحديات، وتهدف في المقام الأول إلى حماية المال العام وتنظيم حركة الاستيراد وفق معايير رقابية صارمة، سيستفيد منها المواطن، والبلاد بعد أن كانت تتم بعشوائية وعبث، حيث تدخل معظم السلع إلى البلاد اليوم بشكل أفضل، إلا أن نقص المعلومات الدقيقة ما يزال يمثل تحدياً.
وبيّن السنوسي أن صغار التجار، إلى جانب العاملين في اقتصاد الظل – الذي يشكل أكثر من 60% من الاقتصاد الليبي – قد يواجهون صعوبات نتيجة هذه الإجراءات، لا سيما في ظل غياب الدعم أو التعريف الكافي بالمزايا المصرفية المتاحة لهم.
وشدد على ضرورة ضرورة احتضان هذه الفئة وتعريفها بالتحويلات الرسمية التي يمكن الحصول عليها عبر المصارف التجارية، مؤكداً أن المعالجة الجذرية تتطلب إدماج صغار المستوردين في المنظومة الرسمية للاقتصاد، للحد من التعامل في السوق السوداء وتحقيق استقرار تجاري يخدم المستهلك.