ليبيا الان

ليبيا إلى أين؟.. نقاش قانوني حول الفيدرالية يستند إلى دستور 1951

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

ليبيا 24:

غيث يدعو لإحياء النموذج الفيدرالي في الدستور لعام 1951

طرح عضو سابق في مصرف ليبيا المركزي عبر منشور على “فيسبوك” إطاراً دستورياً قديماً-جديداً لإدارة الدولة الليبية، في محاولة لإثراء النقاش حول شكل الدولة المستقبلي بعيداً عن الصراعات الراهنة.

في وقت لا تزال فيه الساحة الليبية غارقة في أزمة سياسية مستعصية، يعود نموذج حكم قديم إلى واجهة النقاش العام، ليس كحل جاهز، ولكن كإطار دستوري قد يقدم إجابة لسؤال “كيف نبني دولة مستقرة؟”.

فقد طرح الدكتور “أمراجع غيث”، العضو السابق في مصرف ليبيا المركزي، عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”، رؤية تستند إلى دستور المملكة الليبية المتحدة الصادر عام 1951، معتبراً إياه نموذجاً متقدماً لتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والسلطات المحلية، في نظام اتحادي (فيدرالي) واضح المعالم.

وجاء طرح غيث ليس كدعوة سياسية صريحة للفيدرالية، بل كشرح قانوني موضوعي لآلية عمل هذا النظام، في محاولة لتغذية الجدل العام بمعلومات دستورية وقانونية بعيداً عن الخطاب العاطفي أو الإقليمي المحموم الذي غالباً ما يحيط بهذا الملف الشائك.

جوهر النظام الفيدرالي: أين تنتهي صلاحيات المركز وأين تبدأ صلاحيات الإقليم؟

في صلب منشوره، أوضح غيث أن “توزيع الاختصاصات يعتبر جوهر النظام الفيدرالي”، مؤكداً أن هذه العملية هي التي “توضح الحد الفاصل بين اختصاصات السلطات المحلية واختصاصات سلطة الحكومة الفيدرالية”.

ولفت إلى وجود أسلوبين رئيسيين لتحديد هذه الاختصاصات: الأول، وهو الأكثر شيوعاً وفقاً لشرحه، يتمثل في “تحديد اختصاصات الحكومة الفيدرالية بكل وضوح، وما بقي هو من سلطة السلطات المحلية”، أما الأسلوب الثاني فيعكس هذه الآلية، حيث “يتم تحديد اختصاصات السلطات المحلية أولاً، ويترك المتبقي للحكومة المركزية”.

دستور 1951: النموذج الليبي التاريخي الذي حسم الخيار

أشار الخبير المالي إلى أن الدستور الليبي لعام 1951، وهو دستور “دولة الاتحاد” كما وصفه، قد اتبع الأسلوب الأول، حيث حدد بوضوح شديد صلاحيات واختصاصات الحكومة الفيدرالية (الاتحادية)، تاركاً “ما لم يذكر كاختصاص للسلطة الفيدرالية هو من اختصاص السلطة المحلية”.

وأكد غيث أن “أغلب الدساتير الفيدرالية تميل إلى هذا الأسلوب”، مما يضفي شرعية تاريخية ودستورية على هذا النهج في التقسيم، ويمنحه طابعاً عالمياً معترفاً به.

منطقة رمادية محسومة: الاختصاصات المشتركة بين المركز والأقاليم

لم يتجاهل العرض القانوني وجود منطقة وسطى أو ما يعرف بـ “الاختصاصات المشتركة”، والتي تحتاج إلى تحديد دقيق حتى لا تكون مصدراً للنزاع المستقبلي.

 وذكر غيث أن هذه الاختصاصات تشمل مجالات حيوية مثل “جباية بعض الضرائب، واستراتيجيات التعليم، والنظام الصحي” وهي مجالات لا يمكن الجزم بتبعيتها المطلقة لأي من الطرفين، مما يستوجب نظماً للتشاور والتنسيق والمشاركة في صنع القرار.

الدستور يتحدث: تفصيل الصلاحيات كما وردت في وثيقة 1951

سعياً لتقديم مرجعية عملية للقارئ، عاد غيث إلى نصوص دستور 1951، ونشر المواد الدستورية التي فصلت هذه الاختصاصات، وهي مواد تقدم صورة واضحة عن النموذج الذي كان قائماً.

فقد خصص الدستور الفصل الثالث، الفرع الأول، لـ “اختصاصات الاتحاد الليبي”، والتي جاءت في 39 بنداً شملت كل ما هو متعلق بسيادة الدولة وهيكلها المركزي، ومن أبرزها:

· السيادة والتمثيل الدولي: التمثيل الدبلوماسي، وشؤون الأمم المتحدة، وعقد المعاهدات الدولية، وإعلان الحرب والسلم.

· الأمن الوطني والدفاع: إعداد القوات المسلحة وتدريبها، والصناعات الدفاعية، والطاقة الذرية، والأحكام العرفية.

· الاقتصاد الكلي والمالية العامة: إصدار العملة، وإدارة البنك المركزي (الاتحادي)، والديون العامة، والجمارك، وفرض الضرائب الاتحادية.

· الاتصالات والبنية التحتية الوطنية: البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، الطرق الاتحادية، السكك الحديدية، الطيران المدني والأرصاد الجوية.

· التشريعات الأساسية: وضع النظام القضائي العام، والقوانين المدنية والتجارية والجنائية.

أما المادة (38) فقد تناولت “الاختصاصات المشتركة” التي يتولى الاتحاد السلطة التشريعية فيها، بينما تتولى الولايات التنفيذ تحت إشرافه. وشملت هذه المجالات الحيوية التي تتطلب توحيداً في السياسات، مثل:

· نظام الشركات والبنوك.

· ضريبة الدخل.

· الثروات الباطنية (النفط والغاز والمعادن).

· الموازين والمقاييس.

· التأمين.

· قوانين العمل والضمان الاجتماعي.

· النظام العام للتعليم.

· المحافظة على الصحة العامة وتنسيقها.

وفي المادة (39)، جاءت القاعدة الحاسمة: “تتولى الولايات جميع السلطات المتعلقة بالمسائل التي لم يعهد بها هذا الدستور للحكومة الاتحادية” وهي العبارة التي تجسد جوهر النظام الفيدرالي بطريقة التعداد والحصر.

يأتي هذا الطرح في لحظة حرجة من التاريخ الليبي، حيث تتعثر جهود المصالحة الوطنية، وتتعدد المبادرات السياسية دون اتفاق على شكل الدولة وهيكلية الحكم. لا يقدم غيث نفسه كمدافع عن الفيدرالية، بل كمحلل دستوري يضع إطاراً تاريخياً وقانونياً واضحاً للنقاش.

نقاش فوق الصراع: هل يمكن لفكرة قديمة أن تلهم حلاً مستقبلياً؟

يدفع هذا الطرح إلى الواجهة أسئلة مصيرية: هل يمكن لنموذج دستوري من الماضي أن يكون مصدر إلهام للمستقبل؟ هل يمكن تحييد هذا الملف عن الصراعات الإقليمية والسياسية الراهنة ومناقشته بشكل موضوعي؟ وكيف يمكن تطويع هذا النموذج ليتلاءم مع تعقيدات الدولة الليبية الحديثة وتحديات القرن الحادي والعشرين؟

يبدو أن قيمة هذا النقاش لا تكمن في تبني نموذج 1951 حرفياً، بل في استعادة ثقافة الحوار الدستوري القائم على التحديد الواضح للصلاحيات، والفصل بين السلطات بشكل رأسي (مركزي-محلي) وأفقي (تشريعي-تنفيذي-قضائي)، وهو ما قد يشكل أساساً لأي تسوية سياسية دائمة في ليبيا المستقبل، بغض النظر عن الاسم الذي سيطلق على نظام الحكم فيها.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24

أضف تعليقـك

1 × خمسة =