رأى المستشار المالي علي الشكري، أن نجاح الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أعلن عنها مصرف ليبيا المركزي يرتبط بتنفيذ خططه بدقة، مبيناً أن مؤشر النجاح الحقيقي يتمثل في قدرة المصرف على زرع الثقة لدى الجمهور، والمتعاملين، والتجار، وأن أي خلل سيؤدى إلى عزوف العملاء عن التعامل مع النظام المصرفي، وهو ما يعيد الأزمة إلى نقطة البداية.
ولفت الشكري إلى أهمية المصداقية والشفافية في عمل المصرف المركزي، داعياً إلى اعتماد قنوات إعلامية رسمية متخصصة بدلاً من وسائل التواصل الاجتماعي، واقترح إنشاء منصة إعلامية رسمية للمركزي لعرض سياساته وخطواته ونتائجه بشكل دوري، من خلال مؤتمرات صحفية أو جلسات قصيرة منتظمة.
وشدد على ضرورة تناغم المصرف مع السياسات المالية والاقتصادية للدولة، والابتعاد عن المحاور السياسية التي قد تضر باستقلاليته وتفقده ثقة الجمهور.
وفيما يخص التحول الرقمي، أشاد بالخطوات الكبيرة التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي في مجال الميكنة والتعاملات الإلكترونية، واصفًا إياها بـ “الممتازة”، خاصة فيما يتعلق بالتتبع الإلكتروني للسلع الذي يركز على المنتج نفسه وليس التاجر، حيث يتحمل التاجر مسؤولية أي تلاعب في الفواتير أو المواصفات والنقل والتوزيع أو الأسعار، مما يعزز الشفافية ويقلل الفساد.
كما أشار إلى ضرورة تسريع عمليات إصدار الاعتمادات المالية للعملات الصعبة عبر منصة التتبع الجمركي، بحيث تمنح للسلع بناءً على الأولويات الاقتصادية والمالية والاحتياجات الاستهلاكية، بما يدعم استقرار الاقتصاد الوطني ويزيد من كفاءة الدعم المالي. بالإضافة إلى توجيه الدعم المالي للعملة الصعبة نحو السلع الأساسية والعائلات والمصانع الكبرى ورجال الأعمال الكبار الذين يسهمون في دفع عجلة الاقتصاد.
وأكد المستشار المالي في حديث لقناة “التناصح” رصدته “الساعة 24” أن منظومة “راتبك لحظي”، التي أطلقت بهدف تسريع وصول المرتبات إلى حسابات الموظفين مباشرة وبشكل لحظي، تسير بخطى ثابتة وتحقق نسب نجاح عالية تتراوح بين 90 و95%، وفق تصريحات المركزي ووزارة المالية.
واعتبر الشكري أن هذه المنظومة تعتبر نقلة نوعية في آلية صرف المرتبات للموظفين الحكوميين في ليبيا، لما توفره من سرعة في التحويل وشفافية عالية، وتساهم في الحد من الهدر والفساد في صرف المرتبات والمكافآت.
وبينّ أن التحدي الأكبر يكمن في بعض الجهات الحكومية التي لم تزود وزارة المالية بأرقام الحسابات البنكية أو الأرقام الوطنية اللازمة، إضافة إلى نقص بعض البيانات الضرورية من هيئات ووزارات معينة، مما يعرقل تطبيق المنظومة بشكل كامل على جميع القطاعات.
كما أوضح أن المنظومة تلغي البيروقراطية المعقدة التي كانت قائمة بين الوزارات ووزارة المالية والمصارف، حيث تتم عمليات التحويل مباشرة عبر المنصة، مما يوفر الوقت ويحد من فرص التلاعب والفساد.
ولفت الشكري إلى أن الاعتراضات على المنظومة تعكس غالبًا مقاومة للتغيير، مشيراً إلى أهمية تشجيع العمل بها، لما فيها من فوائد واضحة للموظفين والدولة. كما أبرز أن فريق تطوير المنظومة تعامل مع جميع المخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني، حماية البيانات، التشفير، واستمرارية عمل النظام في حالات انقطاع الكهرباء أو الإنترنت، لضمان أداء مستمر وموثوق.
في موضوع آخر، علق الشكري عن الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي بشأن سحب فئات نقدية محددة من فئة (الخمسين – العشرين – والخمسة دنانير) خلال الأشهر الماضية، مؤكدًا أن فترة السحب الطويلة التي امتدت لنحو ثلاثة أشهر خلقت فجوة نقدية أثرت سلبًا على الاستقرار المالي في البلاد.
وأوضح أن هذه الفترة الطويلة أدت إلى ظهور مضاربات غير صحية وتباين في أسعار الفئات النقدية المختلفة، إضافة إلى ضخ المصرف المركزي لما يقارب 3 إلى 3.5 مليار دولار خلال نفس الفترة، الأمر الذي أسهم في استحواذ النقود التي يفترض سحبها على المعروض من النقد الأجنبي، وخلق حالة من المضاربة وأسعار غير مستقرة.
كما لفت إلى أن هذا الوضع فتح الباب لتزايد عمليات التزوير خاصة فئة العشرين دينار، وهو تهديد خطير للاستقرار النقدي، إلى جانب توسع الاقتصاد الموازي الذي يسيطر على السوق الموازية للعملة، والذي يمتلك نسبة كبيرة من النقد خارج المنظومة المصرفية، ما يزيد صعوبة السيطرة على المعروض النقدي الرسمي.
وأكد أن فترة استبدال العملة كانت طويلة جداً مقارنة بما يجب أن تكون عليه، مقترحًا ألا تتجاوز فترة الاستبدال عشرة أيام إلى أسبوع، مع توفير بدائل وحوافز لأصحاب الفئات النقدية المسحوبة، وخاصة فئة الخمسة دنانير التي تمثل فئة صغيرة غير مهيأة للاكتناز، الأمر الذي من شأنه تقليل المضاربات وتحفيز المودعين على تحويل أموالهم إلى حسابات بنكية.
ونبه إلى أن تداول فئات نقدية متعددة تسبب في حالة من الفوضى وعدم استقرار الأسعار، وأثر على التعاملات المالية والاقتصادية، مما سمح للسوق السوداء بالتوسع وأخذ دور أكبر في تحديد الأسعار وتداول النقد.
وخلص إلى التأكيد على ضرورة وجود خطة أكثر فاعلية للمصرف المركزي في إدارة الأزمة النقدية، تشمل تعزيز ثقة المواطنين في المنظومة المصرفية، تقليل حجم الاقتصاد الموازي، وتسريع الانتقال نحو الميكنة والتعاملات الإلكترونية لضمان استقرار سعر الصرف وحماية الاقتصاد الوطني.