قال المحلل السياسي حسام الفنيش إن ليبيا تعيش حالة من الجمود السياسي المقصود، خلقتها الأطراف المحلية، مؤكدًا أن هذه الحالة تُبقي البلاد في وضعية انسداد متعمد لا يمكن الخروج منها إلا بضغط دولي فعّال، أو حتى صدام مباشر مع الأطراف المعطّلة.
واستشهد الفنيش في مداخلة على قناة “المسار” بتقرير حديث صادر عن المجلس الأطلسي الأمريكي، وصف فيه الوضع في ليبيا بأنه حالة من “التجزئة المتحكّم فيها” بين القوى السياسية.
وأضاف الفنيش أن المبعوثة الأممية هانا تيتيه، مطالبة بتقديم إحاطات دورية لمجلس الأمن كل شهرين، مؤكداً أن المجتمع الدولي يجب أن يراقب التزامها بهذا الإجراء، خصوصًا في ظل تعهدها بالإعلان عن أسماء المعرقلين في إحاطتها المقبلة.
كما أشار إلى وجود مسارين متوازيين في التعامل مع الملف الليبي، أحدهما تمثّله البعثة الأممية، والآخر أمريكي، قد يكون أكثر براغماتية وواقعية، وفق تعبيره.
وأشار الفنيش إلى أن خارطة الطريق المقترحة من الأمم المتحدة “ستظل رمزية”، على حد تعبير تقرير المجلس الأطلسي، ما لم تُواجه القوى التي تعرقل الحل السياسي بشكل مباشر.
وأضاف أن هذه العرقلة “متعمدة” من قبل الأطراف السياسية التي تعمل على تمديد الأزمة واستثمار الوقت لصالحها.
وشدّد على أن البعثة الأممية بحاجة إلى دعم أمريكي حقيقي لفرض ضغوط على المعطّلين المحليين، وهو ما لا يبدو واضحًا حتى الآن من واشنطن، التي تتعامل مع الملف الليبي بقدر من البراغماتية الاقتصادية والسياسية، لا سيما في ظل السياسات التي اتبعتها خلال عهد الرئيس دونالد ترامب.
وقال إن رؤية الولايات المتحدة في الملف الليبي يمكن اختزالها في جهود محدودة يقودها المبعوث الأمريكي مسعد بولس، وهو أمر لا يرتقي إلى مستوى الحسم المطلوب.
ورأى الفنيش أن خطوة تشكيل الحكومة الجديدة لا يمكن أن تتم دون استكمال الخطوات التأسيسية، وعلى رأسها تشكيل أو استكمال مجلس المفوضية العليا للانتخابات، وتوفير الإطار القانوني والدستوري اللازم للعملية الانتخابية.
وذكر أن هذه الخطوات لم تُنجز حتى الآن، رغم أن خارطة الطريق كانت تنص على الانتهاء منها خلال شهرين، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة تشكيل الحكومة، وهو ما لم يحدث.
وبينّ أن هناك خلطاً في المشهد السياسي، لا سيما في ربط المناصب السيادية بعملية تشكيل المفوضية، مما يزيد من حدة الخلافات بين مجلس النواب والأعلى للدولة، ويعقّد فرص التوافق على الشخصيات المرشحة.
ولفت الفنيش إلى حالة الغموض في خارطة الطريق التي تبدو متعمدة، وذلك حتى لا تتمكن الأطراف المحلية أو الإقليمية من إفشال المسار السياسي، لكنه تساءل: “كيف سنصل إلى خطوة تشكيل الحكومة، إذا كنا لم نتفق بعد على قانون المفوضية، وهناك خلاف واضح بين مجلسي النواب والدولة حول تركيبة المجلس؟”.
وأشار إلى أن السؤال الأبرز حالياً هو: من سيُشكّل الحكومة الجديدة؟ مشككاً في قدرة مجلسي النواب والدولة على الوصول إلى توافق، نظراً لصعوبة الاتفاق بينهما، وغياب الضمانات الدولية، خاصة من قبل البعثة الأممية.
وتابع الفنيش: “بعض السيناريوهات التي طُرحت سابقاً، مثل تدخل البعثة الأممية لاختيار شخصيات تمثل المجلسين لتشكيل حكومة توافقية، لا يبدو أنها ستحظى بموافقة الأطراف الفاعلة اليوم، خصوصاً في ظل غياب تمثيل فعلي للقوى السياسية الرئيسية داخل لجنة الحوار”.
وأردف: “مسألة تشكيل الحكومة ستبقى رهينة التوافق بين الأطراف الرئيسية، ولن تخرج من المجلسين”.
وأشار الفنيش إلى أن الفترة القادمة قد تشهد تحولات حقيقية في الملف الليبي، في حال تمكن مجلس الأمن الدولي من فرض عقوبات على الجهات المعرقلة للعملية السياسية.
وأوضح أن هذه العقوبات قد لا تطال الشخصيات السياسية بشكل مباشر، بل ستُوجه على الأغلب إلى أطراف مرتبطة بالجوانب الأمنية والاقتصادية، لاسيما المتورطة في قضايا التهريب.
وقال إن مجلس الأمن عقد جلسة غير رسمية تناول فيها تقريرًا مؤقتًا لفريق الخبراء المعني بليبيا، حيث قدّم المنسق العام لهذا الفريق أبرز نتائج التقرير، ما يُرجّح أن يتم الإعلان عنه قريبًا.
وفي سياق حديثه، اعتبر الفنيش أن الحديث عن “الخيار الرابع”، الذي يتضمن إلغاء جميع الأجسام السياسية القائمة، يبقى غير واقعي في الوقت الحالي.
ونوه بأن البعثة الأممية لا تزال تواجه صعوبات في تنفيذ الخيار الأول، الذي يقوم على التوافق بين الأطراف المحلية، خصوصًا في ظل استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والدولة.
ولفت الفنيش إلى أن البعثة قد تتجه نحو خيارات بديلة، منها الدفع بتفعيل لجنة “6+6” التي سبق أن أنجزت خطوات مهمة، مثل التوافق على تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، بدعم مشترك من الشرق والغرب. وأضاف أن هذا التوافق يُعدّ نموذجًا لما يمكن تحقيقه إذا توفرت الإرادة السياسية.
وعن إمكانية تشكيل لجنة حوار جديدة، أكد أن البعثة الأممية تتحفظ على هذا النوع من اللجان، ولا يبدو أنها تميل إلى تبني هذا الخيار في تشكيل حكومة جديدة.
وختم الفنيش بالتأكيد على أن المؤشرات الحالية توضح أن واشنطن تتعامل مع كافة الأطراف على مسافة واحدة، وتحرص على إدارة الأزمة دون خلق أجسام تنفيذية جديدة، وهو ما يراه الكثيرون توجّهًا لإبقاء الوضع القائم إلى حين تبلور رؤية شاملة للتغيير.