ليبيا الان

اتهامات للدبيبة وشركائه باختلاس أموال الاتصالات عبر صفقة “الجيل الخامس”

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

ليبيا 24 :

ليبيا على حافة الهاوية: صفقة “الجيل الخامس” التي تهدد بابتلاع ما تبقى من سيادة الدولة واقتصادها

شبكات الفساد تستهدف آخر قطاع منتج في ليبيا بخطة “تمويل ذاتي” تكرس سطوة الميليشيات المالية وتفقر الشعب.

في ظل غياب تام للدولة ومؤسساتها الشرعية، تتحول ليبيا إلى ساحة لمعركة وجودية لا تدور بالرصاص فقط، بل وبعقود تجارية معقدة تهدف إلى تسريع نهب المال العام. في قلب هذه المعركة، يقف قطاع الاتصالات، الشريان الحيوي الأخير للاقتصاد الوطني وأكثر قطاعاته ربحية، ليصبح هدفاً رئيسياً لعصابات الفساد المنظمة التي تعمل تحت غطاء سياسي.

مؤخراً، تصاعدت حدة المواجهة بعد أن تقدم رئيس هيئة مراقبة أموال الدولة إلى القضاء الليبي بطلب عاجل لوقف ما وصفه بـ “مخطط النهب المنظم” عبر صفقة إنشاء شبكة الجيل الخامس.

هذه الصفقة، التي تبدو تقنية للعيان، تخفي وراءها – وفقاً للمتقاضين – واحدة من أكبر عمليات السطو على المال العام منذ 2011، بمشاركة مفترضة لأعلى الهرم السياسي في البلاد.

اللعبة الكبرى: من يدفع الثمن.. ومن يجني المليارات؟

تشير الوثائق والمطالبات القضائية إلى أن جوهر الفضيحة يتمحور حول توجيه شركة “هاتف ليبيا” – الشركة الأم المالكة لشركتي الخدمة “ليبيانا” و”المدار” – للتعاقد مع كيان جديد يحمل اسم “الشركة الموحدة للشبكات”.

هذه الشركة الخاصة، التي يقال إنها مملوكة لمحمد عبدالحميد الدبيبة، نجل رئيس الحكومة منتهية الولاية المثير للجدل، ورفيقه أحمد الكالوش، الذي يُوصف بالعقل المدبر للعمليات المالية، مُكلفة بإنشاء وتشغيل شبكة الجيل الخامس الجديدة.

الآلية المثيرة للجدل هنا ليست في التعاقد نفسه، بل في نموذج التمويل فبدلاً من أن تتحمل “الشركة الموحدة” تكاليف إنشاء البنية التحتية من أموالها الخاصة، يتم تمويل المشروع بالكامل من قبل شركتي الخدمة العاملتين، “ليبيانا” و”المدار”، أي من إيرادات المشتركين الليبيين وأرباح القطاع.

 المفارقة الأكثر إيلاماً هي أن ملكية هذه الشبكة الباهظة التكلفة، والتي دفع ثمنها الشعب الليبي، ستعود في النهاية – وبحسب العقود المزعومة – بشكل كامل لـ “الشركة الموحدة” الخاصة، دون أن تدفع الأخيرة “مليماً واحداً” كما يردد المطالبون بالحقوق.

هذا النموذج، الذي يشبه “الاستعمار الاقتصادي”، يحول شركات القطاع العام من أصول منتجة إلى مجرد ممولين لشركات خاصة تنتزع منهم أهم أصولهم المستقبلية.

 المحامي والمحلل الاقتصادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه خشية الانتقام، قال ليبيا 24: “هذه سابقة خطيرة. أنت لا تبيع الأصل، بل تبيعه وتدفع ثمنه للمشتري! إنها معادلة اقتصادية مستحيلة إلا في سياق الفساد.

الهدف واضح: تحويل تدفقات نقدية ضخمة ومستمرة من خزينة الدولة إلى جيوب خاصة تحت غطاء مشروع تقني.”

الهيئة العامة للاتصالات: بين المطرقة والسندان أم شريك في الجريمة؟

يتساءل مراقبون عن الدور الذي تلعبه “القابضة للاتصالات” كمنظم للقطاع في هذه المعادلة. فبدلاً أن تكون الهيئة هي الحارس الذي يضمن المنافسة العادلة ويصدر تراخيص الجيل الخامس بشفافية، يبدو أنها غائبة أو متواطئة في هذه العملية.

 السيناريو المفترض يتجاوز الهيئة تماماً، حيث يتم فرض الصفقة عبر “هاتف ليبيا” (المساهم الرئيسي فيها هي الهيئة العامة للاتصالات والقابضة للاتصالات) في خطوة تثير الشكوك حول درجة استقلالية هذه الهيئات الحيوية.

مصدر مطلع داخل الهيئة، رفض أيضاً ذكر اسمه، أكد أن “ضغوطاً هائلة تمارس من دوارن سياسية وعسكرية لتجاوز كل الإجراءات القانونية وهناك خوف حقيقي من أن تصبح الهيئة مجرد دمية تبرر قرارات تم اتخاذها سلفاً في صالونات مغلقة.”

هذا الغياب للمنظم المستقل يخلق بيئة خصبة للفساد، حيث تذوب الحدود بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة، وتُختزل السياسة الوطنية في صفقات بين نخب مسلحة.

الشركة الموحدة: واجهة جديدة لتحالفات قديمة

ظهور “الشركة الموحدة” كلاعب رئيسي بين عشية وضحاها يسلط الضوء على نموذج متكرر في ليبيا ما بعد 2011: “الشركات الواجهة”.

هذه الكيانات، التي تفتقر إلى التاريخ أو الخبرة، تنشأ بشكل مفاجئ لتفوز بعقود عملاقة، غالباً ما تكون امتداداً لتحالفات قائمة على الأرض تجمع بين القوة المالية والعسكرية.

التركيز على شخصية أحمد الكالوش  كشريك أساسي في المشروع يشير إلى استمرار نفوذ تحالفات “الميليشيات المالية” التي سيطرت على مفاصل الاقتصاد في السنوات الماضية.

هذه التحالفات، التي تعمل كوسيط إجباري بين الدولة والأعمال، تفرض عمولات ضخمة على العقود أو تخلق شركات خاصة بها لامتصاص أموال الدولة.

صفقة الجيل الخامس، بهذا المعنى، ليست سوى الفصل الأخير في مسلسل طويل من إعادة تدوير النفوذ عبر واجهات تجارية.

المقاومة: القضاء كملاذ أخير وأمل شعب منهك

في مواجهة هذه الآلة الجبارة، يبدو أن خيارات المقاومة محدودة. غياب الرقابة الرسمية والشعبية الفعالة يجعلان من القضاء الملاذ الوحيد والأخير لإفشال مثل هذه المخططات.

تحرك رئيس هيئة مراقبة أموال الدولة لطلب وقف اجتماع الجمعية العمومية لـ “هاتف ليبيا” وإبطال العقود المبرمة هو خطوة في غاية الأهمية، لكنها محفوفة بالمخاطر.

نجاح أو فشل هذه الدعوى القضائية سيكون مؤشراً حاسماً على مصير ليبيا. إذا استطاعت دوائر القضاء، رغم كل الضغوط، أن تقف في وجه هذا النهب، فسيكون ذلك رسالة قوية بأن هناك حدوداً للفساد.

أما إذا فشلت، أو تم تأخيرها إلى أن تصبح الصفقة أمراً واقعاً، فسيكون ذلك إعلاناً صريحاً عن انتصار نهائي لاقتصاد الغنيمة وسيادة قانون القوة على قوة القانون.

الانعكاسات: أكثر من مجرد سرقة أموال

تبعات هذا المخطط تتجاوز بكثير الجانب المالي المباشر:

1. انهيار القطاع: تحميل “ليبيانا” و”المدار” تكاليف باهظة لتمويل شبكة لا تملكها سيؤدي إلى إضعافها مالياً، وخفض جودة خدماتها الحالية، وعدم قدرتها على الاستثمار في التطوير، مما يفتح الباب أمام سيطرة شبه كاملة للكيان الجديد الذي يخلو من أي منافسة حقيقية.

2. تجميد التنمية: سرقة إيرادات القطاع الأكثر ربحية يحرم الدولة من موارد حيوية كانت يمكن أن توجه لإعادة الإعمار، ودفع الرواتب، وتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.

3. تعميق الاحتقان: مثل هذه الصفقات تزيد من شرعنة “اقتصاد الحرب”، حيث تتحول الموارد الوطنية إلى وقود للصراع بين المجموعات المتنافسة، مما يطيل أمد الانقسام ويدفع البلاد إلى الهاوية.

4. عزل ليبيا تقنياً: غياب الشفافية والمنافسة الحقيقية في مشروع حيوي مثل الجيل الخامس سيعزل ليبيا تقنياً، ويجعلها سوقاً للمنتجات والخدمات ذات الجودة المتدنية، وسيؤخر اندماجها في الثورة التكنولوجية العالمية.

المعركة الدائرة حول شبكة الجيل الخامس في ليبيا هي في جوهرها معركة على هوية الدولة ومستقبلها. إنها اختبار حقيقي لإرادة مؤسسات الدولة المتبقية، وضمير القضاء، وصمود الشعب.

النصر للفساد في هذه الجولة يعني أن ليبيا ستتحول من دولة لديها قطاع اتصالات قوي إلى دولة تستخدم فيها ثروة هذا القطاع لتمويل نظام فاسد يكرس التخلف والتبعية.

الوقت يدق ناقوس الخطر، والعيون تتجه إلى قاعات المحاكم في جنوب طرابلس، حيث قد يُكتب الفصل الأهم في تاريخ البلاد الحديث.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24

أضف تعليقـك

8 − اثنان =