يُعاني قطاع النفط والغاز في ليبيا من حالة عدم استقرار نتيجة الصراع المستمر على حقيبة الوزارة بين وزير النفط والغاز بحكومة الدبيبة منتهية الولاية محمد عون، الذي تم تعيينه رسمياً في 2021، وخليفة عبد الصادق، الذي كلفه رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة بمهام الوزارة قبل نحو شهرين. هذا الصراع يثير مخاوف كبيرة حول مستقبل القطاع وتأثيره على الاستثمارات والإنتاج.
بدأت الأزمة عندما أوقفت هيئة الرقابة الإدارية محمد عون عن العمل مؤقتاً في 25 مارس، على خلفية تحقيقات حول مزاعم بارتكاب مخالفات مالية، بما في ذلك إهدار المال العام. بعد يومين، سارعت الحكومة منتهية الولاية بتعيين خليفة عبد الصادق بديلاً له، في حين ظل مصير عون معلقاً بانتظار نتائج التحقيقات. في 14 مايو، أصدر رئيس هيئة الرقابة قراراً برفع الوقف عن عون، مما أدى إلى تنافس بين الوزيرين على الصلاحيات.
بينما يرى بعض المحللين أن “الرقابة الإدارية” تمتلك مبررات كافية لإيقاف عون بسبب مخالفات مالية، يشير آخرون إلى أن القرار يحمل طابعاً سياسياً. فقد واجه قرار إيقاف عون انتقادات من قبل أحزاب سياسية وأعضاء في المجلس الأعلى للدولة، الذين طالبوا بإعادته إلى منصبه. تشير اتهامات نشطاء سياسيين إلى أن عون تعرض لاستهداف بسبب مواقفه الرافضة لبعض الصفقات البترولية، مما أشعل صراعه مع الدبيبة ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة.
بعد رفع الإيقاف عنه، ناشد عون هيئة الرقابة الإدارية لضمان ممارسته لمهامه كوزير للنفط، مشتكياً من استمرار عبد الصادق في حضور اجتماعات رئاسة الوزراء وتمثيل ليبيا في المحافل الدولية. وأشار عون إلى أن هذا الوضع يخلق حالة من الارتباك داخل الوزارة ويؤدي إلى ازدواجية في القرارات، مما يعيق سير العمل.
خلال فترة تولّي عبد الصادق، شهدت الوزارة تغييرات إدارية وإلغاء انتساب بعض المديرين العامين وموظفين آخرين، بالإضافة إلى عرقلة عمل لجنة حرق الغاز وإلغاء ندب مدير عام إدارة الجودة والصحة والسلامة البيئية. أثار “رفض” رئيس الحكومة منتهية الولاية استلام أي بريد أو مراسلات من عون وعدم دعوته لحضور اجتماع مجلس الوزراء في 10 يونيو، استغراب عون واعتراضه الشديد، واصفاً ذلك بالإجراء التعسفي.
يشعر مراقبون بالقلق من أن يؤدي وجود وزيرين يتوليان نفس الحقيبة إلى ارتباك شديد في قطاع النفط، حيث تصدر تعليمات متضاربة من كلا الجانبين، مما يهدد بتعطيل الإنتاج وتراجع الاستثمارات. ويشير المحلل إبراهيم بلقاسم إلى أن توقيف عون ربما كان نتيجة خلافات عميقة مع رئيس الحكومة منتهية الولاية حول ملفات نفطية، خاصة فيما يتعلق بمنح امتيازات لإئتلاف شركات يضم إيني الإيطالية، وأدنوك الإماراتية، وشركة الطاقة التركية.
يرى بلقاسم أن رئيس الحكومة منتهية الولاية يسعى لإبرام عقود مباشرة مع بعض الشركات، متجاوزاً وزارة النفط، ويعتقد أن هذا التوجه هو ما أدى إلى تأخير عودة عون إلى منصبه بشكل كامل، خشية أن يعارض هذه الصفقات. ويرى أنصار عون أن رفضه لبعض الصفقات النفطية نابع من حرصه على حماية حصة ليبيا من العائدات النفطية.
يشكل وجود وزيرين للنفط عبئاً إضافياً على القطاع، الذي يعاني أصلاً من تداعيات الانقسام السياسي وتردي أوضاع الرقابة وانتشار الفساد. يؤثر هذا الوضع سلباً على ثقة الشركاء الدوليين، مما يثير قلقهم بشأن الاستقرار السياسي والمؤسسي والاقتصادي في ليبيا.
أثار حضور خليفة عبد الصادق بدلاً من عون في اجتماع الدول المنتجة للنفط (أوبك) تساؤلات حول مستقبل استقرار ليبيا في المنظمة. يشير بلقاسم إلى أن هذه التطورات ستلقي بظلالها على مسيرة إصلاحات المؤسسة الوطنية للنفط وجهود رفع معدلات الإنتاج من مليون ونصف برميل إلى اثنين برميل يومياً.
يحذر بلقاسم من أن هذا الصراع ستكون له ارتدادات خطيرة قد تؤثر على مساعي جذب الاستثمار الأجنبي، خاصة مع سعي البلاد الحثيث لاستقطاب المستثمرين الخارجيين للاستفادة من مواردها النفطية الوفيرة. يعاني قطاع النفط في ليبيا من التحديات الناجمة عن الانقسام السياسي والفساد، مما يعزز الحاجة إلى استقرار حكومي وإداري لضمان جذب الاستثمارات ورفع معدلات الإنتاج.
إن الصراع على حقيبة وزارة النفط في ليبيا يعكس تعقيدات المشهد السياسي والتحديات التي تواجه البلاد في إدارة قطاعها النفطي الحيوي. يتطلب تحقيق الاستقرار في هذا القطاع الحيوي تحقيق توافق سياسي وإداري يضمن توحيد الجهود والتوجهات نحو تطوير القطاع وجذب الاستثمارات الأجنبية لرفع مستويات الإنتاج وضمان مستقبل اقتصادي مستدام لليبيا.