في صباح مشرق مشوب بالأمل واليأس، شنت ليبيا عملية ترحيل جديدة للمهاجرين غير الشرعيين، حيث نسق جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة لترحيل 174 مهاجرًا غير نظامي إلى بلدانهم الأصلية.
على متن الطائرات المغادرة، تجد 39 امرأة و6 أطفال بين الركاب، تحكي كل وجوههم قصصًا من المعاناة والأمل في حياة أفضل، بعيدًا عن مرارة الواقع الذي أوقعهم في فخ الهجرة غير الشرعية.
لطالما كانت ليبيا بوابة رئيسة للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء الكبرى، والذين يطمحون للوصول إلى أوروبا، متخطين البحر المتوسط رغم المخاطر الكبيرة التي تحيط برحلتهم. استغل تجار البشر حالة عدم الاستقرار التي أعقبت أحداث 2011، لخلق شبكات سرية تسهل تهريب الآلاف من المهاجرين. ومع أن ليبيا تبعد حوالي 300 كيلومتر فقط عن الساحل الإيطالي، إلا أن المسافة القصيرة تخفي وراءها رحلة مليئة بالمخاطر والموت.
زكريا أبو بكر شعيب، شاب نيجيري يبلغ من العمر 20 عامًا، يروي قصته وهو يستعد للعودة إلى بلده بعد ثلاث سنوات قضاها في ليبيا. يقول زكريا: “أنا في ليبيا منذ 3 سنوات للعمل، وكسب المال، والذهاب إلى أوروبا”. كلماته تعكس واقع آلاف المهاجرين الذين حلموا بحياة أفضل في أوروبا، ولكنهم وجدوا أنفسهم عالقين في ليبيا، يعانون من الظروف القاسية ويحاولون البقاء على قيد الحياة.
تشكل عملية الترحيل هذه جزءًا من برنامج العودة الإنسانية الطوعية الذي تديره المنظمة الدولية للهجرة، والذي يهدف إلى مساعدة المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا أو يعانون من أوضاع هشة في العودة إلى بلدانهم الأصلية بكرامة وأمان. وأوضح محمد بريدعة، مسؤول الأمن بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، أن هذه العمليات ستستمر خلال الأسابيع المقبلة، مما يعزز الأمل في إعادة المزيد من المهاجرين إلى أوطانهم وإنهاء معاناتهم في ليبيا.
وفقًا لتقرير المنظمة الدولية للهجرة، شهد عام 2023 ارتفاعًا في عدد المهاجرين الذين قضوا أو فُقدوا خلال رحلات هجرتهم على طرق داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث بلغ عددهم 4984، مقارنة بـ 3820 في العام 2022. وتمثل تونس وليبيا أكبر عدد من الحوادث المسجلة، حيث سجلت ليبيا وحدها 683 حالة وفاة. هذه الإحصائيات المروعة تعكس حجم المأساة التي يعيشها المهاجرون وتدفع المجتمع الدولي لمزيد من الجهود لحل هذه الأزمة الإنسانية.
تستمر مأساة الهجرة غير الشرعية في ليبيا كجزء من أزمة إنسانية أوسع تعصف بالمنطقة، حيث تظل أحلام الكثيرين بالهروب إلى حياة أفضل عالقة بين الأمل واليأس. ومع استمرار الجهود المحلية والدولية في إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، يبقى الأمل قائمًا في تخفيف معاناتهم وإيجاد حلول دائمة تضمن لهم حياة كريمة وآمنة بعيدًا عن المخاطر والأهوال التي تواجههم في رحلة الهجرة غير الشرعية.
إن قصة زكريا وغيره من المهاجرين العائدين تظل شاهدة على مدى قسوة الواقع وأهمية العمل المستمر لحل هذه الأزمة، لعل المستقبل يحمل في طياته أملاً جديدًا وحياة أفضل لهؤلاء الذين لم يطلبوا سوى فرصة لتحقيق أحلامهم.