تواجه ليبيا تحديات اقتصادية كبيرة، يتصدرها تنامي حجم السيولة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي. وبحسب بيانات مصرف ليبيا المركزي، ارتفعت قيمة الكتلة النقدية المتداولة لدى الجمهور إلى 44.47 مليار دينار ليبي، أي ما يعادل حوالي 9.11 مليار دولار، خلال الربع الأول من العام الحالي.
هذا النمو في السيولة يتضمن النقد الورقي والعملات المعدنية المتداولة بين الأفراد والشركات، بينما ارتفعت الودائع تحت الطلب إلى 102.9 مليار دينار، مقارنة بـ95.5 مليار دينار في نهاية عام 2023.
إلا أن هذه الزيادة في السيولة خارج القنوات الرسمية تثير تساؤلات عديدة حول الأسباب التي تدفع الناس للاحتفاظ بالنقود بدلاً من إيداعها في البنوك. تتزامن هذه الظاهرة مع أزمة سيولة خانقة يعانيها الجهاز المصرفي منذ بداية العام الحالي، حيث يشهد المواطنون صعوبة في الحصول على الأموال من البنوك، مما يدفعهم للوقوف في طوابير طويلة أمامها.
المواطن الطاهر رضوان يؤكد أنه لم يتمكن من سحب أي مبلغ منذ بداية العام الحالي، باستثناء فترة عيد الأضحى التي استطاع خلالها سحب ألف دينار فقط. في المقابل، يشير المواطن عز الدين القنطري إلى أن التعاملات الإلكترونية ساهمت في حل أزمة السيولة النقدية في بعض المدن، لكن الأغلبية ما زالت تعتمد على النقد الورقي في المعاملات اليومية مثل الشراء من المحال التجارية ومحطات البنزين.
أستاذ التمويل الجامعي، جمعة المنتصر، يرى أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ خطوات لجذب السيولة إلى القنوات الرسمية، وذلك عبر تحسين الشمول المالي وتوسيع نطاق الخدمات المالية لتشمل جميع الفئات. كما يشدد على ضرورة وجود تشريعات تدعم استخدام الفواتير الإلكترونية والرقابة على التعاملات المالية الكبيرة.
المحلل الاقتصادي عادل المقرحي يلفت النظر إلى أن حجم النقود المتداولة خارج القطاع المصرفي بين البنكين المركزيين في طرابلس والبيضاء يصل إلى نحو 60 مليار دينار، وهو رقم مقلق. ويوضح أن البنك المركزي في طرابلس يتحدث فقط عن العملة المتداولة ضمن القطاع المصرفي الخاص به.
من جانبه، يرى المصرفي معتز هويدي أن فقدان الثقة في النظام المصرفي نتيجة للصراعات السياسية والانقسامات الداخلية هي السبب الرئيسي وراء تفضيل الليبيين الاحتفاظ بالكاش. ويؤكد أن التعاملات الإلكترونية لا تزال في مراحلها الأولى ولم تحل الأزمة بالكامل.
أما المحلل المالي عبد الحكيم عامر غيث فيلاحظ أن هناك مشكلة في ارتفاع عرض النقود داخل الأسواق بسبب تزايد الإنفاق العام من قبل حكومة الدبيبة منتهية الولاية والحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب. يشير إلى أن الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي، مثل سحب ورقة الخمسين دينار من التداول، لن تكون كافية في ظل السياسات المالية غير المنضبطة. ويضيف أن ارتفاع نسبة النقد المتداول خارج البنوك قد يشير إلى استخدام الأموال في الأنشطة غير القانونية مثل غسل الأموال أو التهرب الضريبي.
من الواضح أن ليبيا بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية شاملة تعيد الثقة للنظام المصرفي وتعزز من استخدام القنوات الرسمية للإيداع والمعاملات المالية. تحسين الشمول المالي، وتطبيق التشريعات اللازمة، وتعزيز الثقة في النظام المصرفي هي خطوات أساسية يجب اتخاذها لمعالجة هذه الأزمة.