أثار تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مذكرة للبرلمان التركي لتمديد وتعزيز صلاحيات القوات التركية الموجودة في ليبيا جدلاً واسعاً على الساحة الليبية. مذكرة التفاهم التي تحمل في طياتها مواد تعطي تركيا سيطرة واسعة على الأراضي الليبية، جاءت في وقت حرج تسعى فيه البلاد للخروج من دوامة الحرب والانقسامات.
ويرى إدريس أحميد، الباحث السياسي، أن هذه المذكرة تحمل في طياتها تهديداً كبيراً لسيادة ليبيا، وتفتح الباب أمام تدخلات أجنبية لا تراعي مصالح البلاد ولا وحدتها. يقول أحميد: “إن توقيت هذه المذكرة يثير العديد من التساؤلات حول دواعيها، خصوصاً في وقت تسعى فيه ليبيا لإنهاء المظاهر العسكرية وتوحيد المؤسسات. كيف يمكن لليبيا التوجه نحو البناء والإعمار في ظل اتفاقية تمنح قوى خارجية صلاحيات واسعة على أراضيها؟”
واعتبر أحميد في تصريحات صحفية رصدتها لـ “أخبار ليبيا 24” أن مذكرة أردوغان تعمق الانقسامات الداخلية، وتستغل الفراغ السياسي في البلاد لتأمين مصالح تركيا الخاصة. فالمذكرة تمنح القوات التركية حصانة قانونية واسعة، وفقاً لنص المادة (11) التي تنص على معاملة الجنود الأتراك وفقاً للقانون التركي أثناء أداء مهامهم على الأراضي الليبية. بالإضافة إلى المادة (12) التي تسمح لهم بحمل الأسلحة الشخصية والعسكرية وارتداء الزي الرسمي أثناء أداء واجباتهم. هذا، بحسب أحميد، يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الليبية، ويجعل من الصعب تحقيق أي نوع من الاستقرار الحقيقي.
وأضاف: “المذكرة تمنح تركيا أيضاً حرية استخدام الأراضي الليبية، المجال الجوي والمياه الإقليمية كما تشاء، بدون إذن مسبق من الدولة الليبية، وذلك حسب المادة السابعة من الاتفاقية. هذا النوع من الاتفاقيات لم يكن مقبولاً قبل عام 2011، حيث كانت ليبيا تحافظ على سيادتها وترفض وجود أي قوات أجنبية على أراضيها. لكن الآن، في ظل الوضع الراهن، تأتي هذه المذكرة لتقيد ليبيا أكثر وتنتقص من سيادتها.”
وأشار أحميد إلى أن تركيا تحاول استغلال وجودها في ليبيا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. فهي تسعى لتعزيز تواجدها في أفريقيا من خلال ليبيا، كما فعلت في الصومال وإثيوبيا ومالي. وإذا ما تم تنفيذ هذه المذكرة، فستكون تركيا قد حصلت على موطئ قدم قوي في ليبيا، ما يعزز نفوذها الإقليمي بشكل كبير.
واعتبر المحلل السياسي أن هذه المذكرة، التي تمتد صلاحيتها لثلاث سنوات قابلة للتجديد التلقائي، تمثل فرصة ذهبية لتركيا، لكنها تشكل خطراً كبيراً على سيادة ليبيا. وشدد على أن مثل هذه الاتفاقيات لا يجب أن تتم إلا بعد استقرار الوضع السياسي في البلاد، وتحت إشراف حكومة منتخبة تتمتع بشرعية كاملة. وقال: “يجب أن ترفض ليبيا هذه الاتفاقية شكلاً ومضموناً، لأن الموافقة عليها تعني التنازل عن سيادتها لصالح قوى أجنبية.”
وأكد أحميد على ضرورة أن يكون هناك رد فعل أممي على هذه المذكرة، خاصة وأن ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات سيادية بحرية كاملة. وأضاف: “في ظل غياب سلطة واحدة تسيطر على كامل الأراضي الليبية، لا يمكن السماح بتوقيع اتفاقيات بهذا الحجم مع حكومة مؤقتة لا تمثل الشعب الليبي بالكامل.”
وشدد أحميد على أن هذه المذكرة تعكس استغلال تركيا للفراغ السياسي والانقسامات في ليبيا لتحقيق أهدافها الخاصة. “منح القوات التركية حرية التصرف في ليبيا كما تشاء يشكل خطراً ليس فقط على ليبيا، ولكن على دول الجوار أيضاً، التي لن تقبل بهذه الاتفاقية التي تهدد أمنها واستقرارها.”
وختم أحميد حديثه قائلاً: “إذا أرادت ليبيا أن تحافظ على سيادتها وتحقق الاستقرار، فعليها أن ترفض هذه المذكرة جملةً وتفصيلاً. يجب أن يكون هناك إجماع وطني على رفض التدخلات الأجنبية، والعمل على بناء دولة قوية تتمتع بسيادة كاملة.”