في وقت تحتاج فيه ليبيا إلى وحدة وطنية وتضامن حقيقي للخروج من مستنقع الفوضى والانقسام، يظهر الصادق الغرياني المفتي المعزول مجددًا ليؤكد أنه أحد أكبر معوقات تحقيق الاستقرار. تصدرت تصريحاته المثيرة للجدل في برنامج “الإسلام والحياة” الذي يبث عبر قناة “التناصح”، حيث شن هجومًا لاذعًا على المصرف المركزي ومجلس النواب، في الوقت الذي تجاهل فيه تمامًا التجاوزات والفساد الذي يغرق فيه حليفه السياسي عبد الحميد الدبيبة.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن الغرياني يجيد استخدام الخطاب الديني لتحريض الشارع الليبي وتحريك مشاعر البسطاء، ولكن ما وراء هذا الخطاب هو تحريض على الفتنة والانقسام. يدعو الغرياني كتائب الثوار للتحلي بـ”الهمة العالية” ويطالبهم بمواجهة “الحاكم المستبد”. من المثير للسخرية أن يتحدث الغرياني عن الاستبداد بينما يدعم شخصًا مثل عبد الحميد الدبيبة، الذي يوصف بأنه أحد أبرز الوجوه التي تجسد الفساد والمحسوبية في ليبيا.
في تصريحاته، شن الغرياني هجومًا عنيفًا على مجلس النواب وقراراته، ووصفها بالفساد والاستهتار بمشاعر الليبيين، لكنه لم يذكر أي شيء عن التجاوزات الواضحة لحليفه الدبيبة. كيف يمكن لشخص يدعي التمسك بالقيم الإسلامية أن يتجاهل كل هذه التجاوزات؟ أليس من الأولى أن يوجه نقده لحليفه الذي يتهمه الليبيون بالفساد وإهدار المال العام؟
الغرياني يتحدث عن “حماية المؤسسات المالية ووزارة الخارجية ومصرف ليبيا المركزي” وكأنها مؤسسات معزولة عن سلطة الدولة، في حين أن الجميع يعلم أن هذه المؤسسات تحت سيطرة جماعات مسلحة تابعة لأشخاص مدعومين من الدبيبة. كيف يبرر الغرياني ذلك؟ هل يعقل أن يكون رجل دين يدعو للإصلاح يغض الطرف عن فساد حلفائه؟
لا يتوقف الغرياني عند هذا الحد، بل يمضي قدمًا في تحريض كتائب الثوار على حمل السلاح والانقسام تحت شعار “تحرير ليبيا من الاستبداد”. ولكن عن أي استبداد يتحدث؟ هل الاستبداد يكمن في برلمان جاء بانتخابات أم في شخص يتلاعب بمشاعر الناس لتحقيق أهدافه السياسية الضيقة؟ إذا كان الغرياني صادقًا في دعوته للإصلاح، فلماذا لا يدعو إلى توحيد الصفوف ضد الفساد بدلًا من التحريض على الانقسام؟
من الواضح أن الهدف الحقيقي وراء تصريحات الغرياني ليس إلا محاولة للتحكم في موارد ليبيا النفطية والسيطرة على المنطقة الشرقية. الغرياني لا يرى في الشرق سوى حقول النفط ولا يهتم بمصالح أهالي المنطقة، وكل ما يهمه هو استمرار نفوذ حلفائه في تلك المنطقة. هذا هو الوجه الحقيقي للدعوات التي يطلقها الغرياني تحت مسمى “تحرير ليبيا”. الحقيقة أن هذه الدعوات لا تخدم سوى مصالح ضيقة لفئة صغيرة من المستفيدين من الفوضى والفساد.
في ظل كل هذه المعطيات، يبدو أن الغرياني لا يسعى إلا لتفتيت ليبيا وزرع الفتنة بين أبنائها، مستغلًا الدين كغطاء لتحريضه على العنف والانقسام. وإذا لم يقف الليبيون وقفة واحدة ضد هذه الدعوات المضللة، فإن مصير بلادهم سيكون أسوأ مما هو عليه الآن. يجب على الجميع إدراك أن الغرياني ومن هم على شاكلته ليسوا سوى أدوات لتمزيق الوطن، وأن الحل يكمن في وحدة الصف والالتفاف حول مشروع وطني حقيقي يُخرج ليبيا من دوامة الفوضى والفساد.