هدية: جمعية الدعوة الإسلامية بين شرعية الفاخري وتلاعب الدبيبة
منذ زمن ليس بالبعيد، كانت جمعية الدعوة الإسلامية إحدى المنظمات المهمة التي تلعب دورًا بارزًا في نشر الدعوة والقيم الإسلامية حول العالم. غير أن تلك المؤسسة باتت اليوم محورًا لصراع داخلي تثيره حكومة الدبيبة منتهية الولاية، مما دفع رئيس لجنة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب، زايد هدية، إلى رفع الصوت والتحذير من ما وصفه بالتلاعب الواضح الذي يقوده رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة.
يرى زايد هدية أن محاولات الحكومة في طرابلس للسيطرة على جمعية الدعوة الإسلامية أمر غير شرعي ولا يستند إلى أي أساس قانوني. الجمعية، كما يشير، تتبع لجنة تسييرية يرأسها صالح الفاخري، وتخضع لأعمالها لمراقبة النائب العام والأجهزة الرقابية المختلفة. “لا علاقة لحكومة طرابلس بالجمعية”، يؤكد هدية، مشيرًا إلى أن أي محاولة من قبل الحكومة للتدخل في شؤون الجمعية هو تجاوز للسلطات ومخالفة صريحة للقانون.
في هذا السياق، يُلقي هدية بالمسؤولية الكاملة على عاتق عبد الحميد الدبيبة، حيث يُشير إلى أن الأخير اتخذ قرارًا لا يقع ضمن صلاحياته فيما يتعلق بإدارة الجمعية. “نحن نحمّله المسؤولية القانونية الكاملة”، يقول هدية بحزم، مؤكدًا أن الدبيبة لم يتصرف فقط بشكل غير قانوني، بل إنه يحاول التحكم في مؤسسة ذات أهمية دينية واقتصادية كبرى.
يمضي هدية في توضيح أن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس لا تتصرف بمفردها، بل هناك مجموعات تعمل على الأرض تحرك الدبيبة للسيطرة على مقدرات جمعية الدعوة الإسلامية. “هذه المجموعات تهدف إلى هدر أموال الجمعية في غير صالحها”، يُحذّر هدية من التهديدات التي تواجه أموال الجمعية وأصولها. هذه الأموال، التي كانت تُستخدم في تعزيز الدعوة ونشر القيم الإسلامية، باتت مهددة بالتحول إلى أدوات سياسية واقتصادية في يد من يسعون للسيطرة عليها.
تأتي تصريحات هدية في وقت حساس للغاية، إذ يشهد الشارع الليبي انقسامًا بين مؤيد للحكومة في طرابلس ومعارض لتحركاتها. هذا الانقسام يعكس تحديًا كبيرًا للأجهزة الرقابية التي تجد نفسها مطالبة بالتصرف بحيادية وبسرعة لضمان حماية مقدرات البلاد من أي تلاعب.
في ظل هذه الظروف، يُعيد زايد هدية التأكيد على شرعية اللجنة التسييرية برئاسة صالح الفاخري، قائلاً: “هي الجهة الوحيدة المخولة قانونًا بإدارة الجمعية”. ليس هذا فحسب، بل يرى هدية أن الأجهزة الرقابية، وعلى رأسها النائب العام، مطالبة بالتحرك بجدية وبقوة القانون لمنع التلاعب بأرصدة الجمعية وحساباتها.
يدعو هدية هنا إلى تطبيق صارم للقانون وضمان عدم المساس بأموال الجمعية. “أي تلاعب سيتم محاسبته ولو بعد حين”، يُضيف هدية، مشيرًا إلى أن القانون يجب أن يكون هو الحكم في مثل هذه القضايا، وأن من يسعى للتلاعب بأموال جمعية الدعوة الإسلامية لن يجد أمامه سوى القوة القانونية التي ستتصدى له.
واحدة من النقاط المثيرة للجدل التي أشار إليها هدية هي مسألة رفع الرقابة المصاحبة على حسابات جمعية الدعوة الإسلامية. هذا القرار، كما يرى، يشوبه الغموض. “الوقت الذي تم فيه رفع الرقابة لا يزال محاطًا بالأسئلة”، يقول هدية، مضيفًا أن هذا الأمر يتطلب توضيحًا من هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة.
بالفعل، تشكل هذه القضية تحديًا كبيرًا للأجهزة الرقابية، التي تجد نفسها مطالبة بتقديم توضيحات حول أسباب هذا القرار وما إذا كان هناك أي ضغوط سياسية أو اقتصادية وراءه. هنا، يطرح هدية السؤال الكبير: لماذا تم رفع الرقابة في هذا الوقت الحساس؟
بينما يتحدث هدية عن التحديات التي تواجه جمعية الدعوة الإسلامية، لا ينسى أن يشدد على دور الأجهزة الرقابية. “على هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة القيام بدورهما الكامل”، يقول هدية، مؤكدًا أن هذه الأجهزة يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع التلاعب بأموال الجمعية.
في هذا الإطار، يرى هدية أن أي تهاون من قبل هذه الأجهزة سيُحملها مسؤولية ما يجري لحسابات وأرصدة الجمعية. “نحملهم المسؤولية الكاملة”، يُضيف هدية، مشددًا على ضرورة أن تكون الأجهزة الرقابية على أهبة الاستعداد لمواجهة أي محاولة للتلاعب أو التدخل غير المشروع في شؤون الجمعية.
لا شك أن تصريحات زايد هدية تأتي في وقت حرج، حيث تواجه ليبيا العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية. غير أن مسألة جمعية الدعوة الإسلامية تتصدر المشهد حاليًا، نظرًا لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الجمعية في نشر القيم الإسلامية والحفاظ على مصالح البلاد.
هدية، ومن خلال تصريحاته الحازمة، يُرسل رسالة واضحة إلى كل من يحاول التلاعب بأموال الجمعية: “لن نسمح بذلك، وسيتم محاسبة كل من يتورط في ذلك”. هذه الكلمات تحمل في طياتها تحذيرًا شديد اللهجة لمن يعتقد أن بإمكانه التلاعب بمقدرات الشعب الليبي دون أن يُحاسب.
في نهاية المطاف، تبقى الأنظار موجهة نحو الأجهزة الرقابية ومدى قدرتها على التصدي لهذه التحديات. هل ستتمكن من منع التلاعب بحسابات جمعية الدعوة الإسلامية؟ وهل سيُحاسب الدبيبة على ما وصفه هدية بتجاوزه لصلاحياته؟ هذه الأسئلة ستظل مطروحة على طاولة النقاش في الفترة القادمة.