قدمت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، حيث عرضت تفاصيل خارطة الطريق السياسية الجديدة التي تهدف إلى إنهاء المراحل الانتقالية المتكررة، وتوحيد المؤسسات، وتهيئة البلاد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهراً.
استهلت تيتيه إحاطتها بالإشادة بنجاح 26 بلدية في تنظيم الانتخابات البلدية يوم 16 أغسطس الجاري، معتبرة أن نسبة الإقبال التي بلغت 71% تعكس تطلع الليبيين لتجديد الشرعية.
ونددت تيته، بمحاولات عرقلة العملية الانتخابية في مدن عدة مثل الزاوية وزليتن، لكنها أشادت بإصرار موظفي المفوضية على إنجاز الاستحقاق رغم حرق المكاتب وتعرضها للتخريب.
وأكدت تيته، أن نتائج المشاورات الواسعة التي أجرتها البعثة، إلى جانب استطلاع شارك فيه أكثر من 22,500 مواطن، أظهرت أن غالبية الليبيين يريدون إنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب إلى انتخابات تجدد الشرعية وتوحد البلاد.
وأوضحت أن 42% من المشاركين يفضلون انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، مقابل 24% يرون أن الخيار الأمثل هو تأسيس مجلس تأسيسي جديد، فيما أيّد 19% اعتماد دستور قبل الانتخابات، و12% فقط دعموا الاكتفاء بانتخابات برلمانية منفردة.
وعرضت تيتيه ملامح خارطة الطريق الأممية الجديدة، والتي تقوم على ثلاث مراحل أساسية: أولاً، إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات لضمان استقلالها المالي والإداري، وإدخال تعديلات محدودة على القوانين الانتخابية بما يعالج العقبات التي أعاقت انتخابات 2021، ثانياً، تشكيل حكومة موحدة تتولى إدارة البلاد وتهيئة الظروف الملائمة للانتخابات، ثالثاً، إطلاق حوار مهيكل واسع يشمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية والأمنية، إضافة إلى النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، لمناقشة قضايا الحكم والإصلاح الاقتصادي والأمني والمصالحة الوطنية.
ونوهت بأن هذه المراحل ستسير بشكل متسلسل بحيث تمهد كل خطوة للتي تليها، على أن يتم إنجاز المرحلة التمهيدية خلال شهرين إذا توفرت الإرادة السياسية.
وشددت على أن أي محاولة لتعطيل هذه المسارات ستواجه بتدابير صارمة، مضيفة أن البعثة ستلجأ إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات رادعة بحق المعرقلين. وقالت تيته، إن استمرار الوضع الحالي يخدم فقط “أطراف الوضع القائم” الساعية للإبقاء على الانقسام، مؤكدة أن التوافق الدولي على خارطة الطريق يمثل ضمانة أساسية لنجاحها.
وفيما يتعلق بالوضع الأمني، أعربت المبعوثة عن قلقها إزاء التوترات المتواصلة في العاصمة طرابلس بين حكومة الوحدة المؤقتة وجهاز الردع، داعية الطرفين إلى الحوار وتجنب الاستفزازات.
وأشادت بجهود لجان الترتيبات الأمنية في الحفاظ على الهدنة، لكنها حذرت من أن استمرار الانقسام الأمني يهدد مسار العملية السياسية برمتها.
أما على الصعيد الاقتصادي، فأكدت تيته، أن الخطوات التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية في مجال أتمتة الرواتب وإنشاء منصة شفافة للعملة الأجنبية تعد إيجابية، لكنها اعتبرت أن استمرار الإنفاق الموازي وغياب ميزانية موحدة يمثلان خطراً حقيقياً على الاستقرار المالي.
ودعت السلطات إلى اعتماد ميزانية شفافة ومتوازنة بشكل عاجل، باعتبارها شرطاً ضرورياً لإنجاح الإصلاحات الاقتصادية.
وفي ملف حقوق الإنسان، كشفت المبعوثة عن توثيق 20 حالة وفاة أثناء الاحتجاز منذ مارس 2024، بينها وفاة الناشط عبد المنعم المريمي في طرابلس مطلع يوليو الماضي، رغم صدور أمر بالإفراج عنه.
وأكدت أن هذه الانتهاكات المستمرة بحق المحتجزين والمهاجرين واللاجئين تتم في ظل غياب المحاسبة، مطالبة السلطات الليبية بوقفها بشكل فوري.
كما ناشدت تيته، المجتمع الدولي إلى تقديم دعم عاجل لمعالجة الوضع الإنساني في الكفرة، حيث تجاوز عدد اللاجئين السودانيين أعداد السكان المحليين.
ورأت تيتيه أن الدعوات المتزايدة لتأسيس مجلس تأسيسي جديد تعكس حجم الإحباط لدى الليبيين من الأجسام السياسية القائمة وفقدانهم الثقة في قدرتها على إنجاز الاستحقاقات.
فيما أكدت أن العمل مع هذه المؤسسات، رغم هشاشتها، يبقى السبيل الأسرع نحو الانتخابات، مشيرة إلى أن الحوار المهيكل سيعيد الشعب الليبي إلى صميم العملية السياسية.
واختتمت المبعوثة إحاطتها، بدعوة مجلس الأمن إلى التحدث بصوت واحد لدعم خارطة الطريق، بما في ذلك فرض عقوبات على أي طرف يحاول عرقلة المسار.
وقالت إن “الليبيين ينظرون إلى مجلس الأمن كجهة ضامنة لحل الأزمة، وعازمون على بناء مؤسسات شرعية موحدة من خلال الانتخابات، لا عبر حكومات انتقالية متعاقبة”.