في ظل تصاعد التوترات الدولية حول الدور التركي في ليبيا، تسلط التقارير الجديدة الضوء على تورط شركة “سادات” العسكرية الخاصة في تعزيز العنف وزعزعة الاستقرار في البلاد. موقع “نورديك مونيتور” السويدي، المعروف بتعقبه للتجاوزات التركية، نشر تحقيقًا يكشف عن تورط “سادات”، المدعومة مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في نقل مقاتلين من سوريا إلى ليبيا.
وفقًا للتقرير، “سادات” ليست مجرد شركة أمنية عسكرية بل هي أداة رئيسية للنفوذ التركي في النزاعات الإقليمية. وقد أشار الموقع إلى تورط الشركة في تدريب الجهاديين في سوريا وتركيا، قبل نقلهم إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس.
تقارير الأمم المتحدة، التي حصلت عليها “نورديك مونيتور”، أكدت أن “سادات” كانت مسؤولة عن تجنيد وتمويل ونشر مرتزقة، بما في ذلك أطفال من الجماعات المسلحة السورية، مما أدى إلى تصعيد الصراع في ليبيا وزيادة التعقيدات السياسية والأمنية في البلاد.
نقابة المحامين الأرمنية، التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًا لها، قدمت مؤخرًا شكوى رسمية إلى الحكومة الأمريكية، مطالبة بفرض عقوبات بموجب قانون “جلوبال ماجنيتسكي” على شركة “سادات” ورئيسها التنفيذي، مليح تانريفردي. الشكوى تسلط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الشركة، بما في ذلك التواطؤ في تعزيز العنف وعدم الاستقرار في ليبيا.
وقد تضمنت الشكوى تقارير من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية أخرى تشير إلى أن “سادات” تورطت في تجنيد مقاتلين مدفوعي الأجر، بما في ذلك القصر، مما يشكل انتهاكًا واضحًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وأشار البيان إلى أن استغلال المجتمعات الضعيفة من قبل “سادات” ساهم في تفاقم الأزمات الإنسانية في المناطق المتضررة.
منذ تأسيسها في 2012 على يد الضابط العسكري المتقاعد عدنان تانريفردي، تثير “سادات” الجدل في الأوساط التركية والدولية بسبب بنيتها الغامضة وصلاتها المثيرة للشكوك بالنظام التركي. عدنان تانريفردي، الذي شغل منصب المستشار الرئيسي للرئيس أردوغان لسنوات، كان أحد الأركان الرئيسية التي استخدمها النظام التركي لتطهير الجيش عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016.
وقد اعترف تانريفردي علنًا بتقديمه قوائم بأسماء الضباط المعارضين لأردوغان، والتي استخدمت لتطهير الجيش من آلاف الضباط، ما عزز سيطرة أردوغان على المؤسسة العسكرية التركية.
في 2021، كشف “سادات بيكر”، وهو رجل عصابات تركي وحليف سابق لأردوغان، عن تورط “سادات” في نقل الأسلحة والإمدادات للجماعات الجهادية المسلحة في سوريا. وفي تسجيل فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، اعترف بيكر بإرساله شحنات أسلحة متخفية في هيئة مساعدات إنسانية إلى سوريا بالتعاون مع “سادات”.
وقد أكدت هذه المعلومات مزاعم متعددة حول تورط “سادات” في نقل المقاتلين والأسلحة ليس فقط إلى سوريا ولكن أيضًا إلى ليبيا، مما ساهم في تأجيج الصراعات الدموية في المنطقة.
مليح تانريفردي، نجل عدنان تانريفردي، لم يكن بعيدًا عن هذا الجدل. ففي 2021، اعترف علنًا بأنه يعمل بشكل وثيق مع وكالة الاستخبارات التركية وينسق الإجراءات مع الدبلوماسيين ومسؤولي الدفاع الأتراك. هذه العلاقات الوثيقة بين “سادات” وأجهزة الدولة التركية تثير مخاوف حول مدى استقلالية الشركة عن السلطة التركية.
وقد أشار موقع “نورديك مونيتور” إلى أن “سادات” تعمل على تنفيذ سياسات الدولة التركية تحت غطاء العمليات الخاصة، مما يزيد من الشكوك حول أهدافها الحقيقية ودورها في تعزيز النفوذ التركي في النزاعات الإقليمية.
مع تقديم نقابة المحامين الأرمنية لشكوى رسمية ضد “سادات”، تزداد الضغوط على الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على الشركة وقادتها بموجب قانون “جلوبال ماجنيتسكي”. العقوبات المحتملة قد تشمل تجميد الأصول وحظر السفر، بالإضافة إلى فرض قيود اقتصادية صارمة على أنشطتها.
تداعيات هذه العقوبات قد تكون وخيمة على “سادات”، حيث أن العمليات الخارجية للشركة تعتمد بشكل كبير على التعاون الدولي. ومع تصاعد الدعوات لمحاسبة “سادات”، قد تجد تركيا نفسها في مواجهة أزمة دبلوماسية جديدة، مما يزيد من تعقيد العلاقات الدولية لأنقرة.
يتضح من التقارير أن شركة “سادات” لعبت دورًا محوريًا في تأجيج الصراعات في ليبيا وسوريا، مما جعلها تحت المجهر الدولي. ومع تصاعد التوترات وزيادة الضغوط لفرض عقوبات، تبقى التساؤلات حول مستقبل “سادات” وعلاقاتها بالحكومة التركية. الشركة، التي تأسست في ظروف غامضة وأثارت الجدل لسنوات، أصبحت اليوم في مواجهة اتهامات خطيرة قد تعيد تشكيل دور تركيا في النزاعات الإقليمية.