يتجه المشهد السياسي في ليبيا نحو مزيد من التصعيد بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، في مواجهة تتعقد مع مرور الوقت وتزايد الخلافات حول السلطات والصلاحيات. بعد تعيين ناجي عيسى محافظًا جديدًا لمصرف ليبيا المركزي، بدأ المجلس الرئاسي بخطوات متلاحقة لفرض سلطته وتعزيز موقعه في ظل الفراغ السياسي والانقسام الداخلي في مجلس النواب، ما يزيد من تعقيد الساحة السياسية الليبية.
أعلن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، الخميس الماضي، عن اتفاقه مع رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة على “تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني”، في خطوة تهدف إلى خلق جسم جديد يملك صلاحيات رقابية على المشهد السياسي. هذه الخطوة أثارت قلق مجلس النواب الذي يعتبرها تهديدًا لشرعيته. حيث يخشى النواب أن يستخدم الرئاسي هذا الجسم لإحالة قرارات مجلس النواب إلى الشعب للاستفتاء عليها، ما يضعف سيطرة النواب ويعزز دور المجلس الرئاسي.
وفي تصعيد آخر، أصدر المجلس الرئاسي قرارًا يقضي برفض بعض الإجراءات العسكرية الصادرة عن تشكيلات وأجهزة عسكرية أخرى، مبررًا ذلك بأنها لم تصدر منه بصفته القائد الأعلى للجيش. هذا القرار يأتي في وقت اعتبر فيه مجلس النواب أن المجلس الرئاسي لا يملك الحق في هذه الصلاحيات بعد أن سحب منه تلك السلطة. الصراع على قيادة الجيش هو واحد من أهم النقاط الخلافية بين الطرفين، إذ يسعى المجلس الرئاسي لتعزيز سيطرته في المناطق الغربية من البلاد عبر دعم الجماعات المسلحة المتحالفة معه، فيما يعتبر مجلس النواب أن هذه الخطوات تهدف إلى إضعاف الجيش وتقويض نفوذه في المنطقة الشرقية.
في خطوة أخرى على طريق التصعيد، أرسل المجلس الرئاسي خطابًا إلى المفوضية العليا للانتخابات يطالب فيه بإجراء انتخابات لشغل 46 مقعدًا شاغرًا في مجلس النواب. هذه الخطوة لم تسر بسلاسة، حيث يرى مجلس النواب أن الرئاسي يسعى لاستغلال الشواغر في المجلس لتقويض مكانته السياسية. إضافة إلى ذلك، فإن دعوة الرئاسي لإجراء الانتخابات تفتح الباب أمام مواجهة مباشرة مع مجلس النواب، الذي يرى في هذه الدعوة تدخلًا في صلاحياته التشريعية.
وفي مواجهة هذه التحركات، قام مجلس النواب بتفعيل أعمال المحكمة الدستورية، في خطوة أثارت الكثير من الجدل. يرى المجلس الرئاسي أن إنشاء هذه المحكمة يهدف إلى تعزيز نفوذ النواب على النظام القضائي، في محاولة لتحجيم دور المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة. هذه المحكمة ستكون لها صلاحيات واسعة قد تؤثر على عملية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، ما يعمق الانقسامات الداخلية في البلاد.
تأتي هذه التصعيدات في ظل الانقسام الحاد داخل المجلس الأعلى للدولة، الذي يعاني من أزمة انتخاب رئيس جديد له. انشغال المجلس الأعلى بقضاياه الداخلية أتاح الفرصة للمجلس الرئاسي لتصدر المشهد في الغرب الليبي، بدعم من الحكومة منتهية الولاية بقيادة عبد الحميد الدبيبة. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا التصعيد السياسي لن ينتهي بسهولة، بل قد يؤدي إلى مرحلة من الانسداد السياسي التي قد تجبر الأطراف المتصارعة على الدخول في عملية سياسية جديدة.
يرى المحللون أن استمرار هذا الصراع بين المجلسين قد يؤدي في النهاية إلى مرحلة من “كسر العظم” التي تفرض على الجميع الدخول في تسوية سياسية جديدة. أبو بكر طلمون، أستاذ العلوم السياسية، أشار إلى أن الصراع يدور حول الصلاحيات الرئاسية التي كانت بيد مجلس النواب، لكنه يرى أن التصعيد بين المجلسين قد يستمر حتى تصل الأمور إلى مرحلة من الجمود السياسي.
على الرغم من تعقيد المشهد الداخلي، فإن هناك تكهنات بوجود دعم خارجي يدعم المجلس الرئاسي في تصعيده ضد مجلس النواب. يرى فاضل الطويل، ناشط سياسي، أن الدعم الدولي قد يكون له دور في تشجيع الرئاسي على اتخاذ خطوات جريئة في الفترة الأخيرة. وإذا صحت هذه التقديرات، فقد نشهد تحركًا دوليًا لتغيير موازين القوى في ليبيا.
في ظل التصعيد المستمر، يبدو أن مستقبل ليبيا السياسي معلق بخيوط رفيعة. هل يمكن للأطراف الليبية أن تتوصل إلى تسوية شاملة تعيد الاستقرار للبلاد؟ أم أن الصراع سيستمر حتى يفرض الجميع أنفسهم على طاولة المفاوضات من جديد؟