في مشهد يعكس الصراع الدائر على السلطة في ليبيا، يبرز رئيس مجلس الدولة خالد المشري كواحد من أبرز الأصوات المناهضة لمحاولة محمد تكالة فرض سيطرته على المجلس. في كلمة مرئية تحصّلت عليها “أخبار ليبيا 24”، اتهم المشري تكالة بمحاولة الاستيلاء على مقرات المجلس بقوة الأمر الواقع، مستخدمًا مزاعم قانونية وادعاءات غير مبنية على أحكام قضائية حقيقية.
منذ انتخاب تكالة قبل عام، شهد مجلس الدولة انقسامات حادة، غير أن الجلسة التي عقدت في 6 أغسطس الماضي كانت بمثابة الشرارة التي فجرت الخلافات بشكل علني. تلك الجلسة التي عقدت بشكل قانوني وسليم، انتهت بتصويت لانتخاب رئيس جديد للمجلس، ولكن سرعان ما دبّ الخلاف حول ورقة معينة أدت إلى رفع الجلسة بدون مبرر واضح، مما أعطى الفرصة لتكالة ومجموعة من أعضائه لتشويه الحقائق واللجوء إلى القضاء.
ورغم أن المحكمة رفضت الدعوى التي قدمت لإلغاء نتائج الجلسة، استمر تكالة في محاولة فرض رؤيته على المجلس، مستندًا إلى أحكام قضائية مؤقتة وغير نهائية، وفقًا لما ذكره المشري. وفيما يسعى المشري لفضح “التدليس” الذي يمارسه تكالة، أكد في كلمته أن القضاء لم يفصل بعد في النزاع، وأن تكالة يحاول إقناع الليبيين بأن حكم المحكمة قد صدر لصالحه، وهو ما وصفه المشري بأنه تضليل واضح.
من النقاط القانونية المثيرة التي أبرزها المشري في حديثه هي أن قرارات مجلس الدولة ليست قرارات إدارية، بل هي قرارات سياسية بامتياز. وبالتالي، فإن التصويت داخل المجلس لا يمكن اعتباره قرارًا إداريًا كما يحاول تكالة تصويره. وأشار المشري إلى أن المحكمة العليا، باعتبارها الجهة المختصة، هي التي لها الكلمة الأخيرة في أي نزاع داخلي يتعلق بمخالفة النظام الداخلي للمجلس.
لكن ما يجعل هذه الأزمة أكثر تعقيدًا هو رفض تكالة الاحتكام إلى اللجنة القانونية بالمجلس، زاعمًا عدم حياديتها. وفي هذا السياق، دعا المشري إلى الاحتكام لكافة القانونيين داخل المجلس وخارجه، مؤكدًا أن البعض منهم يمتلك خبرة تتجاوز 40 عامًا في مجال القضاء. فهل يمكن لهذا الاحتكام القانوني أن يحل الأزمة؟
على الرغم من أن التكهنات تشير إلى أن المعركة بين المشري وتكالة قد تمتد لوقت طويل في أروقة القضاء، فإن المشري أبدى استعداده الكامل للامتثال لأي حكم قضائي باتّ، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه سيستمر في رئاسة المجلس إلى أن يصدر ذلك الحكم. “إذا صدر لصالحك حكم باتّ سأسلم به”، قال المشري موجهًا حديثه لتكالة، مضيفًا: “ولكن الحكم الباتّ يصدر من المحكمة العليا بعد انتهاء مرحلة الاستئناف، وحتى الآن لم نصل إلى هذه المرحلة”.
وفي محاولة لطمأنة الشعب الليبي، دعا المشري إلى ضرورة كشف التضليل الذي يمارسه تكالة بشأن شرعية جلسته الأخيرة. ووجه انتقادًا حادًا للمغالطات التي وردت في كلمة تكالة القصيرة، والتي زعم فيها أن عدد الحاضرين في الجلسة فاق النصاب القانوني. وقال المشري في هذا السياق: “الجميع يعلم أن العدد الذي حضر الجلسة لم يتجاوز 55 إلى 60 عضوًا”.
تكالة، وفقًا للمشري، حاول أيضًا استغلال نص من القانون الإداري لدعم مزاعمه، رغم أن هذا النص لا ينطبق على مجلس الدولة، لأنه مختص بالنزاعات بين الأفراد والهيئات الإدارية. المشري سخر من تلك المحاولة ودعا تكالة إلى الاستعانة بمستشاريه القانونيين لتوضيح الفروق بين القرارات الإدارية والسياسية.
في ختام كلمته، أكد المشري أنه لا ينوي التراجع أمام الضغوط التي يمارسها تكالة، وأنه يرفض الانصياع للأمر الواقع الذي يحاول فرضه. ودعا الشعب الليبي إلى الوقوف صفًا واحدًا لكشف الحقيقة وإنهاء الانقسام الذي يعرقل عمل المؤسسات الليبية، بما فيها مجلس الدولة. كما أعرب عن التزامه بمواصلة السعي نحو تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الأزمة المصرفية التي تضغط على الاقتصاد الليبي.
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن القضاء الليبي من الفصل في هذه النزاعات، أم أن الانقسامات داخل المؤسسات ستظل تلقي بظلالها على المشهد السياسي في ليبيا؟ الأيام المقبلة ستحمل الإجابة.