الصين في مجلس الأمن: ضرورة حل الأصول المجمدة ودعم الحوار الليبي
في جلسة مجلس الأمن التي عُقدت مؤخرًا حول الوضع في ليبيا، قدّم مندوب الصين الدائم لدى مجلس الأمن، كلمةً مؤثرة شدّد فيها على أهمية تسوية بعض القضايا الحيوية التي تؤرق المجتمع الليبي وتمثل حجر عثرة في طريق استقراره، على رأسها مسألة الأصول الليبية المجمدة في الخارج.
استهل مندوب الصين لدى الأمم المتحدة حديثه بالتأكيد على أن مجلس الأمن يجب أن يولي اهتمامًا بالغًا بمطالب ليبيا الملحّة بشأن الأصول المجمدة في الخارج. فهذه الأصول التي تمت تجميدها عقب الانتفاضة الليبية عام 2011 باتت اليوم تشكل عقبةً رئيسية أمام تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد. إذ لا يخفى على أحد أن الشعب الليبي يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، حيث بات الملايين بحاجة ماسة إلى مساعدات فورية، ويعيشون في ظل ظروف اقتصادية متدهورة.
المندوب الصينيأشار إلى أن الأصول المجمدة تمثل جزءًا كبيرًا من ثروة البلاد، وإذا تم استعادتها، ستسهم في تحسين الظروف المعيشية للشعب الليبي، مشددًا على ضرورة الإسراع بحل هذه القضية لتجنب المزيد من تدهور الاقتصاد الليبي. وتابع قائلًا: “إنه من الضروري حماية هذه الثروات التي تعود للشعب الليبي من الفقدان، والعمل على استعادتها في أقرب وقت ممكن.”
في سياق متصل، أثنى مندوب الصين على الجهود التي تبذلها المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا لضمان إجراء الانتخابات في أسرع وقت. فالمسار الانتخابي يعتبر أداةً حاسمة لإنهاء حالة الجمود السياسي التي تشهدها البلاد منذ سنوات. ويأتي هذا التوجه من الصين متسقًا مع رؤيتها الداعمة لتحقيق الاستقرار في المنطقة عبر الحلول السلمية والدبلوماسية.
وأكد المندوب الصيني أن الانتخابات هي السبيل الأوحد نحو تأسيس حكومة شرعية قادرة على إدارة البلاد، مشددًا على أن المجتمع الدولي عليه واجب دعم المفوضية لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية. وبالرغم من التحديات التي تواجه تنظيم هذه الانتخابات، فإن التفاؤل يظل حاضراً بإمكانية إجرائها وإيصال البلاد إلى مرحلة جديدة من الاستقرار.
وفي سياق الحديث عن الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة الليبية، أشاد مندوب الصين بالدور الذي تلعبه الدول الأفريقية في دعم الحوار الليبي. وأشار إلى أن قادة العديد من الدول الأفريقية سيزورون ليبيا في الأيام المقبلة في محاولة لتعزيز الثقة بين الأطراف المتنازعة. هذه المبادرات تأتي ضمن إطار الجهود الأفريقية المستمرة لدفع عملية المصالحة وإعادة بناء الثقة بين الليبيين.
الدور الأفريقي، بحسب المندوب الصيني، يعدّ ضروريًا لحل الأزمة الليبية، خاصة أن تلك الدول تفهم طبيعة الصراع بشكلٍ جيد، وتملك القدرة على الوساطة بحكم القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية. ودعا المجتمع الدولي إلى دعم هذه الجهود الأفريقية لضمان استئناف العملية السياسية وتعزيز الحوار بين الأطراف الليبية المختلفة.
في ظل التعقيدات السياسية والاقتصادية التي تشهدها ليبيا، جاءت الأخبار الإيجابية حول التوصل إلى اتفاق بشأن المصرف المركزي كأحد النقاط التي أبدى المندوب الصيني تفاؤله بشأنها. وأكد أن هذا الاتفاق يشكل خطوة مهمة نحو إعادة توحيد المؤسسات المالية في البلاد، التي لطالما كانت واحدة من أكبر العوائق أمام تحقيق الاستقرار.
المندوب أشار إلى أن التوافق حول المصرف المركزي يعزز فرص استئناف العملية السياسية، ويُعدّ مؤشرًا على أن الأطراف الليبية بدأت تدرك أهمية التوافق فيما بينها، خصوصًا في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد. ومع ذلك، حذر من أنه يجب العمل على زيادة هذا التوافق لتشمل قضايا أخرى تتعلق بالانتقال السياسي والانتخابات، والتي ستشكل المخرج الحقيقي للأزمة.
أحد أبرز النقاط التي طرحها مندوب الصين تمثلت في الدعوة إلى انسحاب فوري وسلس للقوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية. فبحسب كلمته، فإن وجود هذه القوات يشكل خطرًا كبيرًا على سيادة ليبيا واستقلالها، ويعزز من تعقيد الصراع الداخلي. كما أوضح أن التدخلات العسكرية الأجنبية أسهمت في تهيئة الأرضية لتفشي الإرهاب في البلاد، وتسببت في تداعيات خطيرة لا تزال تعاني منها ليبيا حتى اليوم.
وأكد المندوب الصيني أن الصين تدعم بقوة الجهود الأممية والدولية الرامية إلى تحقيق انسحاب كامل لهذه القوات، مشددًا على أن السيادة الليبية لا يمكن أن تتحقق إلا بإنهاء هذه التدخلات. وقال: “إننا ندعو جميع الأطراف المعنية إلى وضع مصلحة ليبيا والشعب الليبي فوق كل اعتبار، والعمل على تحقيق السلام عبر الحوار لا السلاح.”
لم يغفل المندوب الصيني الإشارة إلى الوضع الأمني المتدهور في ليبيا، حيث أكد أن انقسام الأجهزة الأمنية في البلاد يمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار. وأوضح أن التدابير الأحادية التي تم اتخاذها من قبل بعض الأطراف قد أدت إلى تفاقم الوضع بشكل كبير، مما يجعل من الصعب السيطرة على الأوضاع الأمنية على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، أكد المندوب الصيني على أن الشعب الليبي تأثر بشكل كبير من تدهور الأوضاع الاقتصادية. وأشار إلى أن مئات الآلاف من الليبيين بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مضيفًا أن الصين ترحب بإعادة فتح حقول النفط في البلاد، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو استقرار الاقتصاد الليبي.
وأكد المندوب أن الصين تدعم استخدام عائدات النفط لتحسين الأوضاع المعيشية للشعب الليبي، وتعتقد أن هذا القطاع يمكن أن يكون جزءًا رئيسيًا من الحل الاقتصادي، إذا تم إدارته بشكل جيد وشفاف.
في نهاية كلمته، أكد مندوب الصين على أن مستقبل ليبيا يجب أن يكون بأيدي أبنائها، ودعا جميع الأطراف الليبية إلى ضبط النفس والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه سابقًا. كما شدد على ضرورة استمرار الحوار بين الليبيين، والعمل على حماية المكاسب التي تم تحقيقها في الأشهر الأخيرة، لتحقيق التهدئة الدائمة.
وأوضح أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، يجب أن يستمر في لعب دور الوسيط لدعم العملية الانتقالية في ليبيا، مشددًا على أن الصين مستعدة لدعم هذه الجهود بكل ما أوتيت من قوة. ليبيا بحاجة إلى استعادة سيادتها ووحدتها، ويجب أن يكون الشعب الليبي هو المحرك الرئيسي لهذه العملية، دون تدخلات خارجية تعقد المشهد أكثر.