ليبيا الان

أزمة ثقة المواطن بالدينار.. الدروس الاقتصادية المغفلة

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في خضم النقاشات الاقتصادية التي تعصف بالواقع المالي في ليبيا، يبرز صوت أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، الدكتور عطية الفيتوري، ليعبر عن واقع مرير يعاني منه المواطن الليبي. في ظل سياسات المصرف المركزي الأخيرة، تثار العديد من التساؤلات حول جدوى فرض رسوم إضافية على بيع العملات الأجنبية، خصوصًا الدولار الأمريكي. يعتقد البعض أن هذه السياسة تهدف إلى كبح الطلب على الدولار والحد من المضاربة عليه، ولكن الفيتوري يرفض هذا التصور جملة وتفصيلًا.

يرى الفيتوري في منشور له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24” أن زيادة الرسوم بنسبة 27% على الدولار في السوق الليبي لم ولن تؤدي إلى خفض الطلب عليه. “في دول أخرى، حيث مرونة الطلب على العملات الأجنبية أكثر حيوية، قد نرى نتائج إيجابية. ولكن في ليبيا، الوضع مختلف تمامًا.” يعزو الفيتوري ذلك إلى الظروف السياسية والاقتصادية غير المستقرة، مشيرًا إلى أن مرونة الطلب على الدولار في ليبيا منخفضة، مما يعني أن تغيير سعره، سواء بالزيادة أو النقصان، لا يحدث فرقًا ملموسًا في الطلب عليه.

هذه الفكرة تتماشى مع التجربة التي مرت بها البلاد خلال السنوات الأخيرة. عندما فرض المصرف المركزي رسمًا على بيع الدولار عام 2018، لم نشهد أي تراجع في الطلب. بل على العكس، زاد الطلب مع مرور الوقت. ويرجع الفيتوري هذه الظاهرة إلى فقدان المواطن ثقته في العملة المحلية، الدينار الليبي، الذي تراجع قيمته بشكل كبير في عام 2021. ويضيف: “عندما يرى الناس أن قيمة الدينار تتدهور، يلجؤون بشكل طبيعي إلى العملات الأجنبية كملاذ آمن.”

ولعل الأكثر تأثيرًا في هذا الواقع هو ما يعانيه المواطن من ارتفاع في الأسعار نتيجة للسياسات المالية المتبعة. فالرسوم المفروضة على بيع الدولار وغيرها من العملات الأجنبية، والتي كان من المفترض أن تساهم في استقرار السوق، تسببت في زيادة حادة في أسعار السلع الأساسية. النتيجة الحتمية كانت انخفاضًا في الدخل الحقيقي للأفراد، مما دفعهم إلى البحث عن طرق لزيادة دخولهم النقدية لتغطية احتياجاتهم.

من جهة أخرى، يبرز تساؤل مهم حول الفائدة التي حققتها الحكومة من هذه السياسة. تشير التقديرات إلى أن المصرف المركزي جمع ما قيمته 17.5 مليار دينار ليبي خلال الأشهر الستة الماضية، ولكن هذا المبلغ الكبير جاء على حساب المواطن البسيط. فالزيادة في أسعار السلع والخدمات لم تكن سوى نتيجة مباشرة لهذه الرسوم، ما يعني أن المستهلكين دفعوا الفاتورة الأكبر في هذه المعادلة.

يتساءل الفيتوري بحسرة: “متى سيفهم المسؤولون القوانين الاقتصادية التي يتم تطبيقها في الدول المتقدمة؟” هذا السؤال يعكس إحباطًا واضحًا من السياسات المالية العشوائية التي لم تفلح في تحقيق الاستقرار المطلوب. فالدول التي حققت مستوى مقبولًا من الرفاهية الاقتصادية لمواطنيها اعتمدت على خطط مدروسة بعناية، تراعي فيها التوازن بين الإيرادات والنفقات، وتحمي القوة الشرائية للعملة المحلية.

الواقع الليبي اليوم يبدو بعيدًا عن هذه الطموحات. ما لم يتمكن المسؤولون من تبني استراتيجيات اقتصادية واقعية ومستدامة، ستظل الأوضاع تتفاقم، وستبقى معاناة المواطن في ازدياد. في نهاية المطاف، يدعو الفيتوري إلى ضرورة إعادة النظر في هذه السياسات المالية التي فشلت في تحقيق أي نتائج إيجابية تذكر.

بصورة عامة، يبدو أن الرسوم التي فرضها المصرف المركزي على بيع العملات الأجنبية لم تؤثر إيجابيًا في الاقتصاد الليبي، بل زادت من معاناة المواطن، الذي يجد نفسه عالقًا بين ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للدينار. ما هو الحل إذن؟ يجيب الفيتوري ببساطة: “لا يمكن أن نحقق الاستقرار الاقتصادي إلا من خلال إصلاحات جذرية تأخذ في الحسبان الوضع الفعلي للسوق الليبي، بعيدًا عن الحلول السريعة غير المدروسة.”

في ختام هذه القراءة، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة السلطات على الاستفادة من تجارب الماضي وتقديم حلول حقيقية تخفف من وطأة الأزمة على المواطن الليبي. فكما يؤكد الفيتوري، فإن الوقت لا يزال سانحًا لتغيير المسار، شريطة أن تُتخذ القرارات الصحيحة.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24