في مشهد يتسم بالاضطراب السياسي والانقسام الحاد، يتصاعد الحديث حول مصير الوطن، وسط تصاعد الأصوات التي تدعو إلى إحداث تغيير حقيقي ينقذ ليبيا من مصير التشظي. فمع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، يواجه الشعب الليبي تحديات جسيمة، على رأسها تلك القوى السياسية التي ترفض ترك مواقعها وتعيق أي محاولة لتحقيق انتخابات شاملة تُعيد للشعب حقه في تقرير مستقبله.
بين القوة الحاكمة والمصلحة الوطنية
تاريخيًا، تُعتبر الأزمات السياسية في ليبيا ليست وليدة اللحظة، بل امتدادًا لصراع طويل على السلطة بين أطراف متعددة، تتشابك مصالحها في بقاء الوضع على ما هو عليه. وقد باتت هذه الأطراف تُشكل حاجزًا أمام أي حل، إذ تقف حاليًا ضد تنفيذ القوانين الانتخابية التي أُقرت سابقًا عبر لجنة “6+6″، والتي كانت قد استوفت جميع الإجراءات اللازمة.
لكن، على الرغم من الجهود التي بُذلت من قبل هذه اللجنة المشتركة، والتي أصدرت قوانين تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي عبر الانتخابات، تظهر القوى الرافضة في الأفق، وهي الأطراف التي تحاول عرقلة تنفيذ هذه القوانين بهدف الحفاظ على مكاسبها السياسية والمادية. هذه الأطراف، التي تمتد جذورها في كل أركان السلطة، تُشكل حاجزًا صلبًا أمام أي تغيير حقيقي.
البعثة الأممية ودورها في المرحلة الحرجة
وسط هذا السياق المتأزم، يُطرح السؤال حول دور البعثة الأممية في ليبيا، وما إذا كانت هذه البعثة قادرة على تجاوز العقبات التي تضعها الأطراف السياسية في طريقها. إن البعثة، التي تحاول الوساطة بين الفرقاء السياسيين، مطالبة الآن بأن تتوجه أنظارها نحو القوى الوطنية الحقيقية، تلك القوى التي لم تتلوث بمصالح السلطة.
النداءات الموجهة إلى البعثة الأممية تدعوها إلى النظر خارج إطار السلطة الحاكمة والاستماع إلى الأصوات القادمة من أروقة القوى الشعبية التي تسعى بصدق إلى حلول حقيقية. ولكن، هل تستطيع البعثة الأممية تجاوز الضغوط السياسية والإقليمية التي تُمارس عليها؟ هذا التساؤل يطرح نفسه بقوة، في ظل الانقسامات المتزايدة على الأرض.
لجنة 6+6 ودورها في رسم خريطة المستقبل
لقد أدت لجنة “6+6” دورًا محوريًا في تنظيم العملية الانتخابية، إذ جلست في كل من الشرق والغرب، وأجرت مناقشات موسعة، أسفرت عن قوانين وضعت خارطة طريق للانتخابات. لكن، ومع كل تلك الجهود، تبقى الكرة الآن في مرمى الأطراف السياسية التي ترفض التغيير.
مجلس النواب بدوره أقر تلك القوانين، وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات صلاحيتها وشرعيتها، مما يُعد خطوة هامة نحو إعادة بناء الوطن. إلا أن الأطراف الممانعة، التي لا تزال تُسيطر على مفاصل الدولة، تقف حاجزًا أمام تنفيذ هذه القوانين، محاولين تعطيل العملية الانتخابية.
الأزمة السياسية وانعكاساتها على الوطن
الأزمة السياسية التي تواجه ليبيا لا تُشكل خطرًا فقط على النظام السياسي، بل تمثل تهديدًا حقيقيًا للوطن نفسه. إن استمرار الوضع الراهن دون أي تغيير قد يؤدي إلى نتائج كارثية، حيث يُهدد الوطن بالانقسام إلى كيانات متصارعة، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وبينما تدور هذه الصراعات، يُدرك الجميع أن الشعب الليبي هو الضحية الأكبر، إذ يعاني من الفقر وانعدام الخدمات الأساسية. ومع ذلك، تبقى الأطراف السياسية متشبثة بمكاسبها، غير عابئة بما قد يحمله المستقبل للوطن.
الوطن أمام مفترق طرق: الانتخابات أو الفوضى
من خلال التصريحات التي أدلى بها سلامة الغويل، رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار التابع لمجلس النواب ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية الأسبق بحكومة الدبيبة منتهية الولاية، يتضح أن مستقبل ليبيا بات على المحك. الغويل يُحذر من أن بقاء الوضع الراهن دون تغيير سيؤدي إلى انقسام البلاد وتشظيها أكثر مما نحن عليه الآن. إنه يرى أن الحل يكمن في التوافق الوطني، وفي إجراء الانتخابات التي تُعيد للشعب حقه في اختيار من يحكمه.
الغويل في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” يُدرك أن الأطراف السياسية الحالية لن تتنازل بسهولة عن مواقعها، لكنه يُشدد على أهمية ترك الشعب ليكون الحكم النهائي في هذا النزاع. الانتخابات، في نظره، هي السبيل الوحيد لإنقاذ ليبيا من التشظي والانقسام. ومع ذلك، فإن هذا الحل لا يزال مُهددًا من قبل تلك القوى التي ترفض التغيير وتُفضل استمرار الفوضى.
ضرورة التوافق الوطني وتغليب المصالح الوطنية
إن المستقبل يفرض على الجميع التكاتف والتوافق من أجل المصلحة الوطنية العليا. قد يكون هذا هو الخيار الأصعب، لكنه في النهاية الخيار الوحيد الذي يُمكن أن ينقذ البلاد من مصير قاتم. فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين يقفون في وجه التغيير، ولن يغفر لمن يجعل مصالحه الشخصية فوق مصلحة الوطن.
من هذا المنطلق، يُبرز الغويل ضرورة التخلي عن المكاسب الفردية والمضي قدمًا نحو التوافق الوطني. “الوطن مُهدد بالتشظي والانقسام أكثر مما نحن عليه الآن”، يقول الغويل، محذرًا من العواقب الوخيمة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح القوى الوطنية في فرض إرادتها؟ وهل ستكون الانتخابات القادمة هي المفتاح لإنقاذ ليبيا؟ أم أن الأطراف السياسية الرافضة ستستمر في عرقلة هذا المسار؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة الحاسمة.