قرارات بلا نفاذ: قراءة في تصريحات حسن الصغير عن مجلس الدولة
في خضم الفوضى السياسية التي تعصف بليبيا، يبدو أن القادة السياسيين يدركون حجم حدود قوتهم، وخصوصًا في العاصمة طرابلس. حسن الصغير، الدبلوماسي السابق، يسلط الضوء على هذا الواقع المأساوي في منشور له عبر صفحته على “فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24”،، مُشيرًا إلى أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة على دراية تامة بأن قراراتهم لا يمكن أن تتجاوز حدود طرابلس. هذه التصريحات تأتي في وقت حاسم يشهد تصاعدًا في التوترات الداخلية والخارجية المتعلقة بمصير مؤسسات الدولة الليبية.
طرابلس… مركز القرار والحصار
تُعد طرابلس، التي تمثل مقر السلطة السياسية في البلاد، حجر الزاوية في النزاعات الدائرة. المنفي والدبيبة يعلمان جيدًا أن أي محاولة لاتخاذ قرارات استراتيجية، مثل حل مجلس النواب أو مجلس الدولة، لا يمكن أن تُنفذ إلا في نطاق العاصمة. ولعل هذا يعكس الواقع السياسي الذي يفرض نفسه على الأرض، حيث أن سلطة الحكومة الحالية تبدو مقيدة بحدود جغرافية ضيقة، مما يثير التساؤلات حول قدرتها على اتخاذ قرارات وطنية ذات تأثير حقيقي على ليبيا بأسرها.
الصغير يُبرز في منشوره أن حل مجلس النواب ومجلس الدولة في الحقيقة لا يضر سوى مجلس الدولة، الذي يتمتع بنفوذ محدود خارج العاصمة. هذا الأمر يثير التساؤل حول دوافع هذه الخطوات السياسية التي قد تكون محاولة لتعزيز موقع الدبيبة والبقاء في السلطة.
مجلس الدولة… كبش فداء السياسة
يرى حسن الصغير أن الدبيبة يسعى جاهداً لإطالة فترة بقائه في السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بمجلس الدولة. هذه النقطة تحديداً تشكل محور التحليل السياسي للوضع الراهن، إذ أن مجلس الدولة، الذي يُنظر إليه إقليمياً ودولياً على أنه امتداد لتيار الإخوان المسلمين، يجد نفسه في موقف صعب. الدول الإقليمية، وكذلك القوى الدولية، تُظهر تحفظًا متزايدًا تجاه التعامل مع مجلس الدولة، مما يزيد من الضغوط على الدبيبة الذي يبحث عن وسائل جديدة لتعزيز موقفه السياسي في وجه هذه التحديات.
الدبيبة، الذي يبدو كأنه يسير على حافة الهاوية السياسية، يرى في مجلس الدولة فرصة لتقديمه كقربان لإطالة فترة بقائه. التضحية بمجلس الدولة قد تُعد خطوة تكتيكية تهدف إلى كسب دعم قوى سياسية أخرى، سواء كانت داخلية أو خارجية، لضمان بقائه في السلطة.
أعضاء مجلس الدولة… بين المطرقة والسندان
أعضاء مجلس الدولة أنفسهم يواجهون خيارات صعبة في هذه المرحلة. وفقًا لما يراه الصغير، فإنهم قد يلجؤون إلى التحالف مع أعدائهم السابقين، سواء كان ذلك الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر أو مجلس النواب، الذي يمثل خصمهم السياسي الرئيسي. هذا السعي للبقاء في السلطة بأي وسيلة ممكنة يعكس التناقضات السياسية التي تعصف بالمشهد الليبي.
الصغير يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استعداد أعضاء مجلس الدولة للتخلي عن مبادئهم السياسية من أجل البقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك يعني اللجوء إلى التحالف مع أعدائهم السابقين. هذه الخيارات الصعبة تجعل مجلس الدولة في موقف ضعيف، حيث أن بقائهم السياسي يعتمد الآن على قدرة كل عضو على التكيف مع التغيرات السياسية المتسارعة.
الضغوط الدولية والإقليمية
تأتي تصريحات الصغير في ظل واقع دولي وإقليمي معقد، حيث أن العديد من الدول الإقليمية والدولية تتحفظ على التعامل مع مجلس الدولة بسبب علاقاته المشبوهة مع تيار الإخوان المسلمين. هذه التحفظات تُعزز الضغوط على مجلس الدولة، مما يجعله أكثر عرضة للتفكك الداخلي. وفي ظل هذه التحفظات، يبدو أن مجلس الدولة يواجه مستقبلاً مجهولًا، حيث أن التحالفات السياسية في ليبيا تشهد تغييرات متسارعة وغير متوقعة.
إقليمياً، تعزز تصريحات الصغير التحليلات التي تشير إلى أن بعض الدول العربية المجاورة تتجنب التعامل مع مجلس الدولة بشكل مباشر، خوفًا من تعزيز نفوذ تيار الإخوان المسلمين في المنطقة. هذه التحفظات تُضعف من قدرة المجلس على لعب دور مؤثر في المستقبل السياسي للبلاد.
السيناريوهات المحتملة
ما يطرحه الصغير يُلقي الضوء على سيناريوهات مستقبلية قاتمة. إذا استمر الوضع السياسي الحالي على ما هو عليه، فإن احتمالية تفكك مجلس الدولة تبدو أكثر واقعية. هذا السيناريو قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات السياسية في ليبيا، حيث أن الأطراف السياسية الأخرى، مثل الجيش الوطني الليبي ومجلس النواب، قد يسعيان لاستغلال هذا الوضع لصالحهم.
ومن ناحية أخرى، قد يجد أعضاء مجلس الدولة أنفسهم مجبرين على الانخراط في تحالفات سياسية غير متوقعة لضمان بقائهم في السلطة. هذه التحالفات قد تغير المشهد السياسي بشكل جذري، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات والصراعات الداخلية.
خاتمة
تصريحات حسن الصغير تقدم رؤية تحليلية عميقة للوضع السياسي الراهن في ليبيا. المنفي والدبيبة يدركان أن سلطتهما محدودة خارج نطاق طرابلس، في حين أن مجلس الدولة يقف على حافة الهاوية السياسية. الدبيبة يسعى لإطالة فترة بقائه في السلطة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بمجلس الدولة. وفي ظل هذه التحديات، يجد أعضاء مجلس الدولة أنفسهم بين المطرقة والسندان، حيث أن بقائهم في السلطة يعتمد على قدرتهم على التكيف مع التحولات السياسية المتسارعة. يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتمكن مجلس الدولة من الصمود أمام هذه الضغوط، أم أنه سيكون الضحية التالية للصراعات السياسية في ليبيا؟