ارتفاع الأسعار يؤرق الليبيين: أزمة اقتصادية تتفاقم وسط تعثر حكومي
تتصاعد أزمات الحياة اليومية في ليبيا مع توالي الأزمات الاقتصادية التي تلقي بظلالها الثقيلة على المواطن الليبي، الذي بات يعاني تحت وطأة ارتفاع الأسعار غير المسبوق، وذلك بحسب تقرير جديد صادر عن برنامج الغذاء العالمي. فبينما تُظهر الأرقام ازدياد كلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء الأساسية بنسبة 3.3% بين شهري أغسطس وسبتمبر، ترتفع أصوات المواطنين التي تعبر عن سخطهم وعدم رضاهم عن استجابة الحكومة للأزمة.
يُبرز التقرير اختلافات واضحة في حدة التضخم وارتفاع الأسعار بين المناطق، حيث جاءت المنطقة الجنوبية كأكثر المناطق تضرراً بزيادة ملحوظة بلغت 4.4%، ليصل سعر سلة الغذاء الأساسية إلى 1018 دينار ليبي. أما في المنطقة الغربية فقد سجلت الزيادة نسبة 3.5%، بينما كانت في الشرق أقل نسبياً عند 1.7%. ويعكس هذا التباين تحديات جغرافية وبنية تحتية تعوق من قدرة بعض المناطق، ولا سيما النائية منها، على استيعاب الأزمات الاقتصادية المتمثلة في ضعف النقل والإمداد، لا سيما بعد الأمطار الغزيرة التي تسببت في إغلاق الطرق.
ويعاني سكان المناطق الجنوبية تحديداً، حيث يعبر المواطنون عن قلقهم من الأعباء المعيشية المتزايدة وتأخير وصول السلع الأساسية بسبب تكرار إغلاق الطرق، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع وتزايد معاناتهم اليومية. يتحدث أحد المواطنين قائلاً: “ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل معجون الطماطم والأرز والشاي، بأكثر من 50% منذ بداية العام، جعلنا نعيش في حالة من القلق المستمر”، مؤكداً أن “الاستجابات الحكومية حتى الآن لم تُحدث تغييراً يُذكر على أرض الواقع.”
تُعزى أسباب استمرار الأزمة الاقتصادية في ليبيا إلى العديد من العوامل، من بينها الأزمة السياسية المرتبطة بإدارة مصرف ليبيا المركزي، حيث أدت التداعيات الأخيرة إلى إغلاق عدة حقول ومنشآت نفطية، وهو ما أثر سلباً على إيرادات البلاد من النفط. فالاعتماد شبه الكلي على الواردات الخارجية، وتدهور الإنتاج المحلي، جعلا من البلاد رهينة التقلبات الدولية وسوق العملة الصعبة، ما زاد من الضغوط الاقتصادية على المواطن الليبي الذي بات يواجه تكلفة يومية متزايدة تتجاوز قدراته.
تزامن هذا الوضع مع فرض ضريبة جديدة على مبيعات النقد الأجنبي، والتي أدت إلى زيادة الأسعار بنسبة تقدر بنحو 30%، وهو ما أضاف عبئاً على محدودي الدخل والطبقات الفقيرة. وفي هذا السياق، يقول أحد الخبراء الاقتصاديين: “إن فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي ساهم في زيادة الأسعار، وأثقل كاهل المواطنين، خصوصاً الفئات الفقيرة التي تكافح للبقاء ضمن الحدود الدنيا للمعيشة”.
تبذل الحكومة الليبية محاولات عدة لإيجاد حلول سريعة لاحتواء الأزمة، إلا أن الاستجابات لم تصل إلى مستوى المعالجة الجذرية. فبينما يتم ضخ الدولار في السوق المحلي بشكل متقطع لتحقيق استقرار مؤقت في الأسعار، إلا أن هذا الإجراء يعتبره العديد من الخبراء حلاً غير مستدام. وفي هذا الصدد، يشير الخبير الاقتصادي قائلاً: “ضخ الدولار في السوق قد يوفر استقراراً مؤقتاً للأسعار، لكن بدون خطط إنتاج محلية قوية، ستظل الأزمة قائمة على المدى البعيد”.
ويؤكد الخبراء على ضرورة تعزيز السياسات النقدية والمالية، ووضع استراتيجيات تنموية تركز على الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي. ولكن مع عدم الاستقرار السياسي وتضارب السياسات النقدية بين الجهات الرسمية، تظل هذه الحلول بعيدة المنال في الوقت الحالي، ما يجعل حياة المواطنين اليومية في حالة من التأرجح بين ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية.
إن هذا الوضع الاقتصادي يترك بصمات اجتماعية ونفسية عميقة لدى المواطن الليبي الذي بات يشعر بالقلق المستمر إزاء قدرة الدولة على تحقيق مستوى من الاستقرار الاقتصادي. وتظهر بيانات مصرف ليبيا المركزي ارتفاعاً في معدلات التضخم بنسبة 2.7% خلال شهر سبتمبر، مقارنةً بنسبة 2.5% في أغسطس، ما يعكس استمرار التدهور الاقتصادي.
هذا التضخم المتواصل يؤثر على الحالة النفسية للمواطنين، ويزيد من حدة التوتر الاجتماعي، إذ يشعر العديد منهم بالعجز في مواجهة تكاليف الحياة التي تتجاوز حد القدرة اليومية، بينما يعبر البعض عن مخاوفهم من المستقبل وتراجع مستوى المعيشة بشكل عام.
في ظل هذا الواقع، يرى خبراء الاقتصاد أن الحلول بعيدة المدى تكمن في إيجاد توازن بين السياسات النقدية والمالية، وتركيز الجهود على تعزيز الإنتاج المحلي، مما قد يسهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطن الليبي. كما يشدد الخبراء على أهمية التنسيق بين الجهات الحكومية لضمان عدم تكرار سياسات قصيرة الأجل تضر بمصالح المواطنين على المدى البعيد.
ويعتقد البعض أن العمل على تعزيز الاستثمار في البنية التحتية، وتحسين شبكات النقل بين المدن والمناطق الريفية، قد يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتخفيف حدة الفقر.
بينما يتطلع المواطن الليبي إلى انفراج قريب للأزمة الاقتصادية، تبدو التوقعات على أرض الواقع بعيدة عن التحسن، ما يضع الشعب أمام تحديات يومية تعكس معاناة حقيقية وصراعاً للبقاء في ظل ظروف اقتصادية متأزمة. ومع غياب حل قريب، يبقى الأمل في تغيير شامل للسياسات يحقق الاستقرار المطلوب، ويعيد للمواطن الليبي جزءاً من حقوقه الاقتصادية المهدورة.